مملكة يسوع الذي أتى للعالم للشهادة للحق، المحبة، هذا ما تمحورت حوله كلمة قداسة البابا فرنسيس إلى الحجاج والمؤمنين في ساحة القديس بطرس، قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي اليوم 25 تشرين الثاني نوفمبر، يوم الاحتفال بيسوع المسيح ملك الكون.
تلا قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الأحد 25 تشرين الثاني نوفمبر في ساحة القديس بطرس صلاة التبشير الملائكي، وتحدث إلى المؤمنين والحجاج قبل الصلاة عن الاحتفال اليوم بعيد يسوع المسيح ملك الكون. قال الأب الأقدس إن هذا الاحتفال يختتم السنة الليتورجية ويذكِّرنا بأن حياة الخليقة لا تسير إلى الأمام بشكل اعتباطي، بل هي تتوجه نحو هدف نهائي، الظهور الكامل للمسيح سيد التاريخ والخليقة بكاملها، والذي سيكون ملكوته الأبدي ختام التاريخ. وتابع قداسته متحدثا عن إنجيل اليوم (يوحنا 18، 33-37) والذي يحدِّثنا فيه القديس يوحنا عن هذا الملكوت ويروي لنا الوضع المهين الذي وجد فيه يسوع نفسه بعد اعتقاله، حيث أوثقوه وأهانوه واتهموه وساقوه إلى سلطات أورشليم، ثم إلى الحاكم بيلاطس، متهمين إياه بأنه يريد أن يكون ملك اليهود. ويسأل بيلاطس يسوع مرتين إن كان ملك اليهود، فيجيب يسوع أولا بأن مملكته ليست من هذا العالم (36) ثم يؤكد: “هوَ ما تَقول، فإِنِّي مَلِك” (37). وواصل البابا فرنسيس مشيرا إلى أن يسوع لم تكن لديه طوال حياته طموحات سياسية، فقد كان يريد الجمع إقامته مَلكا بعد أن رأى الآية التي أتى بها بتكثيره الخبز. إلا أن المملكة هي شيء آخر بالنسبة ليسوع، قال البابا فرنسيس، شيء لا يتحقق بالتمرد او العنف أو قوة السلاح، ولهذا انصرف وعاد وحده إلى الجبل للصلاة. ثم عاد الأب الأقدس إلى يسوع أمام بيلاطس مذكرا بحديث يسوع عن أن تلاميذه لم يقاتلوا للدفاع عنه، حين قال: “لَو كانَت مَملَكَتي مِن هذا العالَم لَدافعَ عَنِّي حَرَسي لِكي لا أُسلَمَ إِلى اليَهود” (36). يريد يسوع، حسب ما واصل الأب الأقدس، الإشارة إلى أن هناك فوق السلطة السياسية سلطة أخرى أكبر بكثير لا يتم بلوغها بوسائل البشر، وأنه أتى للعالم لممارسة هذه السلطة التي هي المحبة، الشهادة للحق (37). وتابع الأب الأقدس أن هذا هو الحق الإلهي والرسالة الجوهرية للإنجيل، أي أن “الله محبة” (1 يو 4، 8) ويريد أن يقيم في العالم مملكته، مملكة المحبة والعدالة والسلام. وواصل البابا فرنسيس حديثه إلى المؤمنين والحجاج مشيرا إلى أن التاريخ يعلِّمنا أن الممالك التي تقام على قوة السلاح والمراوغة هي هشة وتنهار عاجلا أم آجلا، أما مملكة الله فتقوم على المحبة وتتجذر في القلوب، مانحة مَن يقبلها السلام والحرية وملء الحياة. علينا بالتالي، ولبلوغ السلام والحرية وملء الحياة التي نرغب فيها جميعا، أن نجعل محبة الله، مملكة الله، محبة يسوع تتجذر في قلوبنا.
إن يسوع يطلب منا اليوم، تابع الحبر الأعظم، أن ندعه يصبح مَلكنا، ملكٌ خلَّصنا من الموت بكلمته ومَثله وحياته التي ضحى بها على الصليب، ملكٌ يرشد الإنسان الضال إلى الطريق ويمنح نورا جديدا لحياتنا المطبوعة بالشك والخوف وتجارب كل يوم. ثم شدد البابا فرنسيس على ضرورة ألا ننسى أن مملكة يسوع ليست من هذا العالم، فيسوع يمكنه أن يمنح معنى جديدا لحياتنا، التي تواجه في بعض الأحيان التجارب أيضا بسبب أخطائنا وخطايانا، فقط حين لا نتبع منطق العالم وملوكه.
ثم ختم البابا فرنسيس كلمته إلى المؤمنين والحجاج في ساحة القديس بطرس قبل تلاوة صلاة التبشير الملائكي متضرعا إلى مريم العذراء كي تساعدنا على أن نستقبل يسوع كملك حياتنا، وأن ننشر مملكته مقدمين شهادة للحق الذي هو المحبة.
هذا وعقب تلاوة صلاة التبشير الملائكي أراد البابا فرنسيس الإشارة إلى مرور أمس ذكرى المجاعة التي شهدتها أوكرانيا والتي سببها النظام السوفييتي وراح ضحيتها الملايين من الأشخاص. ودعا قداسته إلى أن يكون هذا الحدث لأليم نداءً إلى الجميع كي لا تتكرر أبدا مثل هذه المآسي، ودعا إلى الصلاة من أجل أوكرانيا، هذا البلد العزيز حسب ما واصل، ومن أجل السلام المنشود. رحب قداسة البابا بعد ذلك بالحجاج القادمين من مناطق مختلفة من إيطاليا ومن دول مختلفة ما بين عائلات وجماعات رعايا وجمعيات، ثم خصص بالترحيب الأعداد الكبيرة من المشاركين في اللقاء الدولي الثالث للجوقات. وكان قداسته قد التقى عددا كبيرا منهم أمس السبت في القصر الرسولي، وكرر اليوم شكره لهم على حضورهم وخدمتهم الثمينة لليتورجيا وللكرازة. حيا البابا أيضا المشاركين في مؤتمر حول الخصوبة تنظمه جامعة القلب الأقدس الكاثوليكية بمناسبة مرور 50 سنة على صدور الرسالة العامة “الحياة البشرية” للبابا القديس بولس السادس.
فاتيكان نيوز