“نكون او لا نكون”، بالتعبير البطريركي. “القضية مصيرية”، يلح بطريرك السريان الكاثوليك الانطاكي اغناطيوس يوسف الثالث يونان… حياة او موت. انه الحمل الثقيل الرابض على قلبه، في قيامه وقعوده، في ذهابه وإيابه. في الحديث عن الوجود المسيحي في الشرق، “المسيحيون معرضون اليوم كسائر المكونات الصغيرة في المنطقة، للتلاشي والانقراض والاندثار. وعندما نقول انهم اندثروا خارج أرضهم، فهذا يعني انهم توزعوا في بلاد العالم، وان رسالتنا ككنائس شرقية وتراثنا المتعدد ولغاتنا الطقسية وتقاليدنا القديمة ستضيع كلها”، يقول يونان في حديث الى “النهار”.
قبل ساعات قليلة فقط، كان في مصر، يتشارك في هموم المسيحيين مع عدد من الأتراب البطاركة، في إطار اجتماعات اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الاوسط التي انعقدت بضيافة الكنيسة القبطية، برئاسة البابا تواضروس الثاني، في مركز مار مرقس في مدينة نصر – القاهرة (3 – 5 ت2). 3 ايام من الاجتماعات التي طاولت مختلف المسائل. وكان “الموضوع الأهم”، على قول يونان، “ان نبذل جهدنا، بإزاء الخضات المخيفة التي يتعرض لها المسيحيون في الشرق الاوسط، خصوصا في سوريا والعراق، فنعقد لقاء لرؤساء كل الكنائس في الشرق ليصدروا نوعا من نداء، يكون صوتاً للمسيحيين الذين يواجهون أصعب مرحلة في تاريخهم منذ ميلاد المسيحية”.
النداء سيكون موجها الى المجتمع الدولي، “لنضعه أمام مسؤولياته”، يؤكد يونان. “نطلقه باسم كل رؤساء الكنائس والطوائف المسيحية في الشرق الأوسط، على تنوعها. وفي ظل التغطية الاعلامية له، نأمل في ان يحرك العائلة الدولية التي، للأسف، تستفيد من هذه الأزمات والخضات والفوضى في المنطقة او تحرض عليها لمصالحها، ناكرة الشعارات والقيم التي قامت على اساسها دولها او وضعتها
لها”.
كانون الاول 2015 هو الموعد الذي تم التوافق عليه لعقد لقاء مبدئيا. “الاقتراح الذي نال الموافقة هو اقامة اللقاء قبل عيد الميلاد، اي في النصف الثاني من كانون الاول، ربما نحو 21 او 22 منه”، يفيد. المكان لم يُحسم ايضا، غير ان “الغالبية تفكر في لبنان”. ويتدارك البطريرك: “اذا كان لبنان اقترح أولا، فلتمتعه أكثر بحرية الرأي، ولما يقدمه من مجال لجذب، ليس للاعلام المحلي والاقليمي فحسب، إنما ايضاً الدولي. وبما أن الموضوع هو الوجود المسيحي وما يتعرض له من خضات وأزمات مخيفة، لاسيما في سوريا والعراق، قلت بانه يمكن تشجيع اللاجئين المسيحيين السوريين والعراقيين على المشاركة خارج مكان اللقاء، لنبين للعالم وضعنا. القضية ليست استجداء امتيازات، بل نريد حقوقنا كمواطنين في أرضنا. يسلخ المسيحيون من أرضهم ويقتلعون منها، ولا ذنب لهم اطلاقا في ذلك”.
يعرف جيدا البطريرك مخاوف المسيحيين. طعمها في فمه. قبل نحو اسبوع، كان في بغداد ليحيي مع رعاياه الذكرى الخامسة لمجزرة كاتدرائية سيدة النجاة (31/10/2010)، والتي سقط فيها 47 شهيدا، منهم الكاهنان الشابان ثائر ووسيم. “منذ تلك المذبحة، لم يعد المسيحيون يشعرون بأي اطمئنان”، يقول. اخبار الارهابيين وافعالهم المدمرة تقض المضاجع كل ساعة. “من يقومون بتلك الاعمال الارهابية عقولهم مغسولة، وضمائرهم معمية”، يضيف.
الوضع “المصيري” يلزم مواجهة على الخطوط الامامية، “بذلا كبيرا للجهود”، وفي الوقت نفسه يبيّن عجزا امام واقع مستحيل. على سبيل المثال، من الطروح التي تداولها البطريرك مع اترابه البطاركة من اكثر من عامين، تشكيل وفد منهم يعقد لقاءات في عواصم دول القرار، بغية تحريك الامور. “ولكن كما تعرفين، ليس لدينا العدد الذي يشكل ضغطا على المجتمع الدولي، ولا البترول او المال الذي يمكننا من التأثير، حتى على الاعلام، او القدرة على إخافة أحد. فايماننا المسيحي يقول بانه يجب ان نكون من فاعلي السلام، ولا عصابات إرهابية مخيفة لدينا. واقعيا، ليس لدينا تلك العناصر الثلاثة التي للاسف تهم العالم اليوم. ولو كانت لدينا، لربما كانوا اخذونا اكثر في الاعتبار”.
أياً يكن، فالبطريرك يتحيّن الظروف الصغيرة والكبيرة ليبقي قضية الوجود المسيحي في الشرق من الاولويات. عندما كان في الفاتيكان أخيراً للمشاركة في “سينودس العائلة”، عرض على الكرسي الرسولي “اقتراحا يقضي بان يدعو الفاتيكان الى مؤتمر ليوم واحد، للنظر في قضية الوجود المسيحي في الشرق الاوسط. وقد اصغى اليّ امين سر دولة الفاتيكان المونسنيور بييترو بارولين. وهو لا يستطيع ان يعطي جوابا، قبل ان يراجع البابا”، يقول يونان.
في تلك الساعة، قال “انه يتوجب على الفاتيكان، بما أنه السلطة المعنوية الاقوى في العالم، ان يدعو من لديهم القرار بمصير الشعوب الضعيفة، كبلادنا، الى البحث في الموضوع. وقد يكون من المدعوين وزراء خارجية الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الاوروبي، الأمين العام للأمم المتحدة وغيرهم، مع عدد من البطاركة المعنيين مباشرة، وذلك كي نقول لهؤلاء المسؤولين باننا نعيش وضعا مصيريا، اي “اما نكون او لا نكون”.
إنه الموضوع الأهم، الوجود المسيحي في الشرق، الذي يدخل به الى اجتماعات مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في بكركي اليوم. “وجود المسيحيين في ارض اجدادهم. هذا ما يجب ان نفكر فيه. وضعنا في العراق وسوريا مخيف… وتتحقق تلك الظاهرة التي كنا نفكر فيها وهي انحسار الوجود المسيحي في الشرق برمته”. هذا ما يود أن يعرضه مع سائر البطاركة، “بحيث ندرج الموضوع في البيان الختامي للمجلس، مع دعوة رؤساء الكنائس الى عقد اللقاء في كانون الاول 2015، وتجديد طلبنا للكرسي الرسولي تفعيل مطالبته للدول بما يخص الوجود المسيحي في الشرق. وبالتالي لا نكتفي بالأقوال ولا بالصلوات. علينا أن نكون اليوم حكماء، ونستخدم للاسف وسائل العالم، في مطالبتنا بحقوق الضعفاء المقتلعين من بيوتهم، والذين بدأوا يفقدون الامل”.
النهار