أطل البابا فرنسيس من على شرفة مكتبه الخاص في القصر الرسولي بالفاتيكان ليتلو صلاة التبشير الملائكي مع وفود الحجاج والمؤمنين في ساحة القديس بطرس كما جرت العادة ظهر كل أحد. استهل البابا كلمته متحدثا عن قراءة اليوم من الكتاب المقدس لمناسبة عيد الثالوث الأقدس والتي تساعدنا في ولوج سرّ هوية الله. وأشار إلى كلمات القديس بولس الرسول “لْتَكُنْ نِعمةُ رَبِّنا يسوعَ المسيح ومَحبَّةُ اللهِ وشَرِكَةُ الرُّوحِ القُدُسِ معَكُم جَميعًا” (2 كورنتوس 13، 13). وقال البابا إن بركة رسول الأمم هذه هي ثمرة اختباره الشخصي لمحبة الله، هذه المحبة التي كشف عنها له المسيح القائم من الموت وبدل حياته ودفعه إلى حمل البشارة للأمم. وأشار البابا إلى أن الجماعة المسيحية، وعلى الرغم من كل المحدوديات البشرية، يمكنها أن تصير انعكاسا لشركة الثالوث، ولطيبته وجماله لكن هذا الأمر يتم بالضرورة عبر اختبار رحمة الله وغفرانه.
بعدها انتقل البابا إلى الحديث عن شعب إسرائيل في البرية وقال إن هذا الشعب خالف العهد، فتجلى الله لموسى ليجدد عهده وقال “الرَّبُّ الرَّبّ! إِلهٌ رَحيمٌ ورَؤُوف، طَويلُ الأَناةِ كَثيرُ الَرَّحمَة والوَفاء” (خروج 34، 6). إن هذه الكلمات ـ تابع البابا يقول ـ تُظهر لنا أن الله ليس بعيدا أو منغلقا على ذاته، بل إنه حياة تريد أن تتواصل مع الآخرين، ومحبة تعتق الإنسان من عدم الأمانة. وشدد فرنسيس على أن الله رحوم ورؤؤف ومملوء بالنعمة وهو يتقدم منا ليغفر لنا أخطاءنا ويُعيدنا إلى درب البر والحقيقة. وقد بلغ وحي الله هذا ملأه في العهد الجديد، من خلال كلمة المسيح ورسالته الخلاصية. وقد أظهر لنا يسوع وجه الله، الواحد في الجوهر ولكنه مثلث الأقانيم: الآب والابن والروح القدس.
وذكّر البابا المؤمنين بأن إنجيل هذا الأحد يحدّثنا عن لقاء الرب يسوع مع نيقوديموس الذي فهم بعد حواره مع الرب أن الله يبحث عنه وينتظره وأنه يحبه محبة شخصية. فقال له يسوع “فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة” (يوحنا 3، 16). ولفت البابا إلى أن الحياة الأبدية هي محبة الآب التي لا تعرف حدودا والمجانية والتي وهبها يسوع على الصليب مقدما حياته من أجل خلاصنا. وقد أشعت هذه المحبة ـ مع عمل الروح القدس ـ نورا جديدا على الأرض وفي قلب كل إنسان يقبلها. إنه نور يكشف عن الزوايا المظلمة، والمصاعب التي تمنعنا من حمل الثمار الطيبة، ثمار المحبة والرحمة.
بعد تلاوة صلاة التبشير الملائكي ذكّر البابا المؤمنين بإعلان طوباوية إيتالا ميلا في احتفال تم يوم أمس في لاسبيتسيا الإيطالية. وقال إن هذا المرأة ترعرعت في عائلة بعيدة عن الإيمان، وكانت تعلن عن إلحادها في سن الشباب إلى أن ارتدت لاحقا في أعقاب اختبار روحي قوي. وقد التزمت وسط الطلاب الجامعيين الكاثوليك، وصارت راهبة ومشت في مسيرة من الزهد ترتكز إلى سر الثالوث الأقدس الذي نحتفل بعيده اليوم. وتمنى البابا أن تشجعنا شهادة الطوباوية الجديدة على توجيه فكرنا باستمرار إلى الله الآب والابن والروح القدس الذي يسكن في قلوبنا. هذا ثم وجه البابا كعادته تحياته إلى وفود الحجاج والمؤمنين القادمين من روما وإيطاليا ومناطق أخرى من العالم متمنيا للحاضرين أحدا سعيدا وسائلا إياهم أن يصلوا من أجله.
اذاعة الفاتيكان