أجرى قداسة البابا فرنسيس مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول يوم الأربعاء الماضي بدأنا سلسلة تعاليم جديدة حول الوصايا. لقد رأينا أن الربَّ يسوع لم يأتِ ليُبطل الشريعة بل ليكمِّل وبالتالي علينا أن نفهم هذا المنظار بشكل أفضل.
تابع الأب الأقدس يقول إن الوصايا في الكتاب المقدّسة لا تقوم لذاتها، بل هي جزء من علاقة، علاقة العهد بين الله وشعبه. نقرأ في بداية الفصل العشرين من سفر الخروج: “تَكَلَّمَ اللهُ بِجَمِيعِ هَذِهِ الكَلِمَاتِ”. تبدو افتتاحيّة كغيرها ولكن لا شيء تافه في الكتاب المقدس. فالنص لا يقول “هذه الوصايا” وإنما “هذه الكلمات”؛ والتقليد اليهودي قد سمّى الوصايا العشر دائمًا “الكلمات العشر”. ومع ذلك تملك هذه الكلمات صيغة القوانين وهي بموضوعيّة وصايا. فلماذا إذًا يستعمل الكاتب المقدّس هنا عبارة “الكلمات العشر” ولا “الوصايا العشر”؟
أضاف الحبر الأعظم متسائلاً ما الفرق بين الوصيّة والكلمة؟ الوصيّة هي بلاغ لا يتطلّب الحوار، أما الكلمة فهي الأداة الجوهريّة للعلاقة كحوار. إن الله الآب قد خلق بواسطة كلمته، والابن هو كلمته التي صارت جسدًا. الحب يغتذي من الكلمات وكذلك التربية والتعاون. شخصان لا يحب واحدهما الآخر لا يمكنها أن يتواصلا. وعندما يتحدّث أحدٌ ما إلى قلبنا تنتهي عزلتنا.
إنَّ تَلقِّي أمرًا ما، تابع البابا فرنسيس، يختلف تمامًا عن سعي شخص ما لبدء حوار معنا. “الحوار هو أكثر من مجرِّد نقل لحقيقة ما. يتمُّ من أجل لذّة الكلام مع الآخرين والخير الملموس الذي يتناقله – بواسطة الكلمات – الذين يحبون بعضهم بعضًا. إنّه خير لا يقوم على أمور ماديّة وإنما على الأشخاص أنفسهم الذين يبذلون ذواتهم بشكل متبادل في الحوار” (الإرشاد الرسولي “فرح الإنجيل”، عدد ١٤٢).
أضاف الأب الأقدس يقول لكنَّ هذا الاختلاف ليس أمرًا اصطناعيًّا، لننظر ما حصل في البدء. لقد أراد المجرِّب أن يخدع الرجل والمرأة بواسطة هذه النقطة: أراد أن يُقنعهما أن الله قد منعهما من أن يأكلا من ثمر شجرة معرفة الخير والشرّ ليبقيا تحت سلطته. وهذا هو التحدّي بالذات: هل أول قاعدة أعطاها الله للإنسان هي أمر طاغيّة يمنع ويجبر أو هي اهتمام أب يعتني بصغاره ويحميهم من الدمار الذاتي؟ هل هي كلمة أو أمر؟ إن الكذبة الأسوأ التي قالتها الحيّة لحواء، هي الإيعاز بإله غيور ومتملِّك فيما أن الاحداث قد أظهرت بعدها وبشكل مأساوي أن الحيّة قد كذبت (راجع تكوين ٢، ١٦-١٧؛ ٣، ٤-٥)، وجعلتهما يعتقدان أن كلمة الحب هذه هي أمر.
تابع الحبر الأعظم يقول يقف الإنسان أمام مفترق الطرق هذا: هل يفرض الله علي أمورًا معيّنة أم أنّه يعتني بي؟ هل وصاياه هي شريعة أم أنها تحتوي على كلمة للعناية بي؟ الله هو سيّد أو أب؟ هل نحن مرؤوسون أو أبناء؟ نحن نعيش هذا الصراع في داخلنا وخارجنا، باستمرار وعلينا أن نختار ألف مرّة بين ذهنية العبيد وذهنيّة الأبناء. الروح القدس هو روح أبناء وهو روح يسوع. روح العبيد لا يمكنه إلا أن يقبل الشريعة بشكل أليم وغمًا عنه، وتنتج عنه نتيجتان متعارضتان: حياة تقوم على الواجبات والفرائض، أو علاقة رفض عنيفة. لكن المسيحيّة باسرها هي العبور من حرفيّة الشريعة إلى الروح الذي يعطي الحياة، ويسوع هو كلمة الآب لا حُكمه.
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول يمكننا أن نرى عندما يعيش الشخص هذا العبور أو لا، لأن الناس تلاحظ عن كان المسيحي يعيش كابن أو كعبد. ونحن نتذكّر إن كان مربونا قد اعتنوا بنا كآباء وأمهات أم أنّهم فرضوا علينا قواعد معيّنة وحسب. الوصايا هي المسيرة نحو الحريّة لأنها كلمات أبٍ يحرّرنا من خلال هذه المسيرة. إنَّ العالم لا يحتاج لتقيُّد بحرفيّة الشريعة وإنما لعناية، يحتاج لمسيحيين بقلب أبناء! العالم يحتاج لمسيحيين بقلب أبناء، لا تنسوا هذا الأمر أبدًا!
إذاعة الفاتيكان