أجرى قداسة البابا فرنسيس مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس بالفاتيكان واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول لقد أصغينا إلى كلمة الله في سفر الرؤيا: “هاءَنَذا أَجعَلُ كُلَّ شَيءٍ جَديدًا”. يقوم الرجاء المسيحي على الإيمان بالله الذي يخلق على الدوام حداثة في حياة الإنسان والتاريخ والكون. حداثة ومفاجآت.
تابع الأب الأقدس يقول تظهر لنا صفحات الكتاب المقدّس الأخيرة هدف مسيرة المؤمن: أورشليم السماويّة. ويتم تصويرها كمسكن كبير حيث يستقبل الله جميع البشر ليقيم معهم فيه إلى الأبد. وماذا سيفعل الله عندما سنصبح معه؟ سيعاملنا بحنان فائق تمامًا كما يستقبل الأب أبناءه الذين تعبوا وتألّموا طويلاً. يتنبأ يوحنا في سفر الرؤيا ويكتب: “هُوَذا مَسكِنُ اللهِ مع النَّاس، فسَيَسكُنُ معهم وهم سيَكونونَ شُعوبَه وهو سيَكونُ “اللهُ معَهم”. وسيَمسَحُ كُلَّ دَمعَةٍ مِن عُيونِهم. ولِلمَوتِ لن يَبْقى وُجودٌ بَعدَ الآن، ولا لِلحُزنِ ولا لِلصُّراخِ ولا لِلأَلَمِ لن يَبْقى وُجودٌ بَعدَ الآَن، لأَنَّ العالَمَ القَديمَ قد زال. وقالَ الجالِسُ على العَرْش: هاءَنَذا أَجعَلُ كُلَّ شَيءٍ جَديدًا”.
أضاف الحبر الأعظم يقول حاولوا أن تتأملوا في هذا النص من الكتاب المقدّس لا بطريقة مجّردة وإنما بعد قراءة الأحداث التي نعيشها في أيامنا حيث نسمع أخبارًا محزنة ونواجه خطر الاعتياد عليها. حاولوا أن تفكّروا بوجوه الأطفال الذين تخيفهم الحرب وببكاء الأمهات والأحلام المحطّمة للعديد من الشباب وباللاجئين الذين يواجهون رحلات رهيبة… للأسف هذه هي الحياة أيضًا، ويمكننا القول أحيانًا أنها هكذا فقط.
ولكن، تابع البابا يقول، هناك أب يذرف دموع شفقة لامتناهية على أبنائه. أب ينتظرنا ليعزّينا لأنّه يعرف آلامنا وقد أعدَّ لنا مستقبلاً مختلفًا. هذه هي رؤية الرجاء المسيحي الكبيرة والتي تمتد إلى جميع أيام حياتنا وتريد أن ترفعنا. إن الله لم يخلقنا مصادفةً وأجبر نفسه وأجبرنا على تحمل ليال يأسٍ قاسية، بل خلقنا لأنه يريدنا سعداء. إنه أبانا وإن كنا نحن، الآن وهنا، نختبر حياة غير تلك التي أرادها لنا فإن يسوع يعطينا الضمانة بأن الله يعمل ليفتدينا.
أضاف الأب الأقدس يقول نحن نؤمن ونعلم أن الموت والحقد ليستا الكلمتين الأخيرتين اللتين تحددان مصير الحياة البشريّة. وبالتالي أن نكون مسيحيين يتطلّب منا التحلّي بوجهة نظر جديدة: نظرة مفعمة بالرجاء. هناك من يعتقد أن الحياة تحبس أفراحها فقط في الشباب والماضي وأنَّ العيش هو مجرّد اضمحلال بطيء؛ وآخرون يعتقدون أن أفراحنا هي فقط مرحليّة وعابرة وأن اللامعنى يطغى على حياة البشر. ولكن نحن المسيحيون لا نؤمن بهذه الأمور، بل نؤمن أنّه في أفق الإنسان هناك شمس منيرة على الدوام وأن أيامنا الأجمل لم تأتِ بعد. نحن أبناء الربيع ولسنا أبناء الخريف: نرى براعم عالم جديد ولا الأوراق اليابسة على الأغصان. لا نتخبّط في الحنين والندَم والتحسُّر لأننا نعرف أن الله يريدنا ورثة لوعد وزارعي أحلام لا يتعبون.
إن المسيحي، تابع البابا فرنسيس يقول، يعرف أن ملكوت الله وملك محبّته ينمو كحقل القمح حتى وسط الزؤان وبأن الشر سيُقلع في النهاية. نحن لا نملك المستقبل ولكننا نعرف أن يسوع المسيح هو أكبر نعمة لحياتنا: إنّه عناق الله الذي ينتظرنا في النهاية ولكنه يرافقنا منذ الآن ويعزينا في المسيرة. هو يقودنا إلى “مسكن” الله الكبير مع البشر حيث مع العديد من الإخوة والأخوات سنحمل إلى الله ذكرى الأيام التي عشناها هنا على هذه الأرض. كم سيكون جميلاً عندما سنكتشف في تلك اللحظة أن لا شيء يضيع سدى، وأن الخلق لم ينتهِ في اليوم السادس من التكوين بل استمرّ بلا كلل لأن الله لم يتوقف أبدًا عن الاعتناء بنا، وصولاً إلى اليوم الذي فيه سيتحقق كل شيء وإلى الصباح الذي فيه ستزول كل دمعة، إلى تلك اللحظة التي سيلفظ فيها الله كلمته الأخيرة، كلمة البركة: “هاءَنَذا أَجعَلُ كُلَّ شَيءٍ جَديدًا”. نعم، أبانا هو إله الحداثة والمفاجآت، وفي ذلك اليوم سنكون سعداء حقًا وسنبكي من الفرح!
وفي نهاية مقابلته العامة وجّه الأب الأقدس نداء قال فيه أوجّه فكري وأعبّر عن قربي المحب من الذين يتألّمون بسبب الزلزال الذي ضرب مساء الاثنين جزيرة إيسكيا. نصلّي من أجل الموتى والجرحى وعائلاتهم والأشخاص الذين فقدوا بيوتهم.
إذاعة الفاتيكان