اجرى قداسة البابا فرنسيس مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهل تعليمه الأسبوعي بالقول نتابع تأمّلنا حول المعموديّة ودائمًا في ضوء كلمة الله. إنَّ الإنجيل هو الذي ينير المرشّحين ويوقظ جواب الإيمان: “فالمعمودية هى بطريقة خاصة، “سر الإيمان” لأنها بمثابة المدخل الأسراري إلى حياة الإيمان”. والإيمان هو تسليم الذات للرب يسوع الذي نعترف به كـ “عَين ماءٍ يَتفَجَّرُ حَياةً أَبَديَّة”، و”نور العالم” و”القيامة والحياة” كما تعلّم المسيرة التي يقوم بها الموعوظون الذين اقتربوا من نوال التنشئة المسيحيّة. وإذ يتربّون من الإصغاء ليسوع ومن تعاليمه وأعماله يعيش الموعوظون مجدّدًا خبرة المرأة السامريّة المتعطِّشة للماء الحي، وخبرة الأعمى الذي يفتح عينيه على النور ولعازر الذي يخرج من القبر. إن الإنجيل يحمل في داخله القوّة ليحوِّل من يقبله بإيمان وينتزعه من حكم الشرير لكي يتعلّم أن يخدم الرب بفرح وحداثة حياة.
تابع البابا فرنسيس يقول لا نذهب أبدًا وحدنا إلى جرن المعموديّة بل ترافقنا صلاة الكنيسة بأسرها كما تذكّرنا طلبات القدّيسين التي تسبق صلاة التقسيم والمسحة ما قبل العماد بزيت الموعوظين. إنها تصرّفات، ومنذ القديم، تضمن للذين يستعدّون للولادة الجديدة كأبناء الله أن صلاة الكنيسة تعضدهم في الكفاح ضدّ الشرّ وترافقهم على درب الخير وتساعدهم لكي يهربوا من سلطة الخطيئة ويعبروا إلى ملكوت النعمة الإلهيّة. الكنيسة تصلّي من أجل الجميع، من أجلنا جميعًا! نحن الكنيسة نصلّي من أجل الآخرين. إن الصلاة من أجل الآخرين لأمر جميل جدًّا. كم من مرّة لا نكون بحاجة لشيء فلا نصلّي؛ لا! علينا أن نصلّي ولاسيما من أجل المعوزين والذين لا يؤمنون، وبهذه الطريقة نحن نصلّي، متّحدين مع الكنيسة، من أجل الآخرين. لا تنسوا هذا الأمر أبدًا: صلاة الكنيسة هي مُستمرَّة على الدوام وبالتالي علينا أن ندخل في هذه الصلاة ونصلّي من أجل شعب الله بأسره ومن أجل جميع الذين يحتاجون للصلاة.
لذلك، تابع الحبر الأعظم يقول، تُطبع مسيرة الموعوظين البالغين بتقسيمات متكرّرة يقوم بها الكاهن، وصلوات تطلب التحرير من كلِّ ما يفصل عن المسيح ويمنع الاتحاد الحميم معه. من أجل الأطفال أيضًا يُطلب من الله أن يحرّرهم من الخطيئة الأصليّة ويكرّسهم مسكنًا للروح القدس. إن الصلاة من أجل الأطفال ومن أجل صحّتهم الروحيّة والجسديّة هي أحد الأساليب لحمايتهم. وكما تؤكِّد الأناجيل، إن يسوع قد حارب الشياطين وطردها ليظهر حلول ملكوت الله: إن انتصاره على قوى الشر يترك فسحة لسيادة الله الذي يفرحنا ويصالحنا مع الحياة.
أضاف الأب الأقدس يقول المعموديّة ليست صيغة سحريّة، بل هي عطيّة! إنّها عطيّة من الروح القدس الذي يُعدُّ من يناله ليكافح ضدَّ روح الشرّ إذ يؤمن أنَّ الله قد أرسل ابنه إلى العالم ليدمِّر سلطة الشيطان وينقل الإنسان من الظلمة إلى ملكوت نوره اللامتناهي. نعرف بحسب الخبرة أن الحياة المسيحيّة هي على الدوام عرضة للتجارب ولا سيما لتجربة الانفصال عن الله ومشيئته وعن الشركة معه لتسقط مجدّدًا في شراك إغراءات العالم. إنَّ المعموديّة تُعدَّنا وتعطينا القوّة لهذا الجهاد اليومي وللكفاح ضدّ الشيكان الذي – وكما يقول القديس بطرس – “كالأَسدِ الزَّائِرِ يَرودُ في طَلَبِ فَريسةٍ لَه”.
بالإضافة إلى الصلاة، تابع الحبر الأعظم يقول، هناك المسحة على الصدر بزيت الموعوظين الذين ينالون بواسطته القوّة لينبذوا الشيطان والخطيئة قبل أن يتوجّهوا إلى جرن العماد ليولدوا مجدّدًا إلى حياة جديدة. من ميزات الزيت أنّه يدخل في نسيج الجسد ويحمل إليه منافع عديدة، وقد كان المقاتلون الأقدمون يدهنون أنفسهم بالزيت ليقوّوا العضلات ويهربوا بسهولة أكبر من قبضة العدو. في ضوء هذا، شكّلت المبارزات القديمة علامة لمسيحيي القرون الأولى الذين تبنّوا عادة دهن جسد المرشّحين للعماد بالزيت المبارك من قبل الأسقف لكي ومن خلال “علامة الخلاص” هذه يتقوّوا بقوّة المسيح المخلّص فيكافحوا ضدّ الشر ويتغلّبوا عليه.
أضاف البابا فرنسيس يقول إنّه لأمر متعب أن نحارب ضدّ الشر ونهرب من فخاخه ونستعيد القوّة بعد جهاد مُضني ولكن يجب أن نعرف أنَّ الحياة المسيحيّة بأسرها هي جهاد وكفاح؛ ويجب أن نعرف أيضًا أننا لسنا وحدنا وأنَّ الأم الكنيسة تصلّي لكي لا يستسلم أبناؤها، الذين ولدوا مجدّدًا من العماد، لفخاخ الشرير وإنما لينتصروا عليها بقوّة فصح المسيح. وإذ يقوّينا الرب القائم من الموت يمكننا نحن أيضًا أن نكرّر بإيمان القديس بولس: “أَستَطيعُ كُلَّ شيَءٍ بِذاكَ الَّذي يُقوِّيني”؛ يمكننا جميعًا أن ننتصر ولكن بواسطة القوّة التي تأتينا من يسوع.
إذاعة الفاتيكان