أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس بالفاتيكان واستهلّ تعليمه الأسبوعي بالقول أريد اليوم أن أتأمّل معكم بشكل مختصر حول الزيارة الرسوليّة التي قمت بها خلال الأيام الماضية إلى بولندا.
تابع الأب الأقدس يقول لقد كان اليوم العالمي للشباب مناسبة الزيارة بعد خمس وعشرين سنة لذلك اليوم العالمي التاريخي للشباب الذي احتُفل به في شستوخوفا بعد فترة قصيرة من سقوط “الستار الحديدي”. لقد تغيّرت بولندا خلال هذه السنوات الخمس والعشرين وتغيّرت أوروبا وتغيّر العالم، وهذا اليوم العالمي للشباب قد أصبح علامة نبويّة لبولندا وأوروبا والعالم. إن جيل الشباب الجديد ورثة ومُكمِّلي الحج الذي بدأه القديس يوحنا بولس الثاني قد ردّوا على تحدّي اليوم وأعطوا علامة للرجاء، وهذه العلامة تُدعى أخوّة. ففي عالم الحرب هذا نحن بحاجة للأخوّة والقرب والحوار والصداقة، وهذه الأخوة هي علامة للرجاء.
أضاف الحبر الأعظم يقول ننطلق من الشباب الذين شكّلوا أول هدف للزيارة. لقد أجابوا مرّة أخرى على النداء: لقد جاؤوا من العالم كلّه – وبعضهم حاضر اليوم هنا – عيد ألوان ووجوه ولغات وقصص مختلفة. لا أعرف كيف يقومون بهذا: يتحدثون لغات مختلفة ولكنَّهم يفهمون بعضهم البعض! ولماذا؟ لأنّهم يرغبون بالسير معًا وبناء الجسور والأخوّة. جاؤوا أيضًا مع جراحهم وتساؤلاتهم ولاسيما مع فرح اللقاء، وشكّلوا مرّة أخرى فُسيفساء أخوّة. يمكننا أن نتحدث عن فسيفساء أخوّة. صورة رمزيّة للأيام العالميّة للشباب هي انتشار للأعلام المتعددة الألوان التي يلوّح بها الشباب: في الواقع، في اليوم العالمي للشباب تصبح أعلام البلدان أجمل، “تتطهّر” إذا صحّ القول، حتى أعلام البلدان المتنازعة تلوّح بقرب بعضها البعض؛ وهذا أمر جميل! ونجد أعلامًا هنا أيضًا… دعونا نراها!
تابع البابا فرنسيس يقول هكذا وفي لقائهم اليوبيلي الكبير قبل شباب العالم رسالة الرحمة ليحملوها إلى كل مكان في الأعمال الروحيّة والجسديّة. أشكر جميع الشباب الذين جاؤوا إلى كراكوفيا! وأشكر الذين اتحدوا معنا من جميع أنحاء الأرض! لأنه تمّ الاحتفال بأيام للشباب على صعيد محلّي في العديد من البلدان تزامنًا مع اليوم العالمي للشباب في كراكوفيا. لتصبح العطيّة التي نلتموها جوابًا يوميًّا على دعوة الرب. في هذا السياق لنتذكّر معًا بمحبّة سوزانا، الشابة الإيطالية من أبرشيتنا في روما التي توفيت في فيينا مباشرة بعد مشاركتها في اليوم العالمي للشباب. ليعزِّ الرب الذي قد استقبلها بالتأكيد في السماء، أهلها وأصدقاءها.
أضاف الأب الأقدس يقول لقد كانت هذه الرحلة أيضًا زيارة إلى بولندا. أمام أيقونة العذراء في شستوخوفا نلتُ عطيّة نظرة العذراء أم الشعب البولندي بشكل خاص وتلك الأمّة النبيلة التي تألّمت كثيرًا ونهضت مجدّدًا على الدوام بفضل قوة الإيمان ويدها الوالديّة. لقد حييت بعض البولنديين هنا في القاعة. أنتم شعب شجاع! هناك، تحت تلك النظرة يفهم المرء المعنى الروحي لمسيرة هذا الشعب الذي يرتبط تاريخه بصليب المسيح بشكل لا ينحلّ. هناك يلمس المرء بيده إيمان شعب الله الأمين المقدّس الذي يحافظ على الرجاء من خلال المحن؛ ويحافظ أيضًا على تلك الحكمة التي تشكّل توازنًا بين التقليد والتجدّد، بين الذكرى والمستقبل. وبولندا تُذكِّر اليوم أوروبا بأسرها أنّه ما من مستقبل للقارة بدون قيمها المُؤَسِّسة والتي بدورها تتمحور حول النظرة المسيحيّة للإنسان. بين هذه القيم نجد الرحمة التي شهد لها رسولان عظيمان ومُميّزَان من أبناء هذه الأرض البولنديّة: القديسة فاوستينا كوفالسكا والقديس يوحنا بولس الثاني.
وفي الختام، تابع الحبر الأعظم يقول، كان لهذه الزيارة أيضًا أفقٌ على العالم، عالم مدعو ليجيب على تحدّي حرب “مُجزّأة” تهدّده. وهنا كان الصمت الكبير للزيارة إلى أوشفيتز وبيركناو أكثر بلاغة من الكلام. لقد أصغيتُ في ذلك الصمت وشعرت بحضور كل تلك النفوس التي مرّت من هناك؛ لقد شعرتُ بشفقة الله ورحمته اللتين عرفت النفوس القديسة كيف تحملها أيضًا إلى تلك الهاوية. في ذلك الصمت الكبير صلّيت من أجل جميع ضحايا العنف والحرب. وهناك في ذلك المكان فهِمتُ أكثر من أي وقت مضى قيمة الذكرى، ليس كمجرّد تذكار للأحداث الماضية وإنما كتأنيب ومسؤوليّة لليوم والغد لكي لا تتجذّر بزار الحقد والعنف في ثغرات التاريخ. وفي ذكرى الحروب والعديد من الجراح والألم نجد أيضًا العديد من رجال ونساء اليوم، إخوتنا وأخواتنا، الذين يتألّمون بسبب الحروب. وبالنظر إلى تلك الوحشيّة هناك في مخيّم الاعتقال، فكّرت مباشرة في الوحشيّة المماثلة التي يعيشها عالم اليوم والتي ليست مركّزة في مكان واحد وإنما منتشرة في جميع أنحاء العالم؛ هذا العالم مريض بالوحشية والألم والحرب والحقد والحزن، ولذلك أسألكم دائمًا أن تصلّوا كي يمنحنا الرب السلام!
وختم البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي بالقول من أجل هذا كلّه أشكر الرب والعذراء مريم؛ وأعبّر مجدّدًا عن امتناني للرئيس البولندي وللسلطات الأخرى والكاردينال رئيس أساقفة كراكوفيا وأساقفة بولندا بأسرهم وجميع الذين، بأشكال عديدة، جعلوا ممكنًا هذا الحدث الذي قدّم علامة أخوّة وسلام لبولندا وأوروبا والعالم. أريد أيضًا أن أشكر جميع الشباب المتطوّعين الذين عملوا لمدّة أكثر من عام ليحملوا قدمًا هذا اللقاء؛ كما وأشكر وسائل الاتصال وجميع العاملين فيها: شكرًا جزيلاً لأنكم عملتم كي يتمكن العالم أجمع من أن يتابع هذا اليوم العالمي للشباب! وفي هذا السياق لا يمكنني أن أنسى أنا-ماريا ياكوبيني، صحافيّة إيطاليّة توفيت فجأة هناك. لنصلِّ أيضًا من أجلها في قد توفّيَت خلال تأديتها لخدمتها.
إذاعة الفاتيكان
الوسوم :في مقابلته العامة البابا فرنسيس يتحدّث عن زيارته الرسوليّة إلى بولندا