أجرى قداسة البابا فرنسيس مقابلته العامة مع المؤمنين في ساحة القديس بطرس واستهلَّ تعليمه الأسبوعي بالقول أريد اليوم أن أتوقّف للتأمُّل قليلاً حول الثلاثيّة الفصحيّة التي تبدأ غدًا، لنتعمّق قليلاً في ما تمثِّله لنا نحن المؤمنين هذه الأيام الأهم في السنة الليتورجيّة. ولكن أريد أن أطرح عليكم سؤالاً: ما هو العيد الأهمّ بالنسبة لإيماننا: عيد الميلاد أو عيد الفصح؟ عيد الفصح! لكن هل تعلمون أنّه لغاية سنِّ الخامسة عشرة كنت أعتقد أن العيد الأهم هو عيد الميلاد: جميعنا نُخطئ. إنَّ العيد الأهم هو عيد الفصح لأنّه عيد خلاصنا وعيد محبّة الله لنا، عيد الاحتفال بموته وقيامته. ولذلك أريد أن أتأمّل معكم حول هذا العيد وهذه الأيام. تشكِّل هذه الأيام الذكرى الاحتفاليّة لسرٍّ عظيم: موت وقيامة الرب يسوع. تبدأ الثلاثيّة غدًا بقداس “عشاء الرب” وتُختتم بصلاة مساء أحد القيامة. إنها تطبع المراحل الأساسيّة لإيماننا ودعوتنا في العالم، وجميع المسيحيين مدعوّون ليعيشوا هذه الأيام المقدّسة الثلاثة – الخميس، الجمعة، السبت والأحد، ولكنَّ القيامة هي يوم السبت – هذه الأيام المقدّسة الثلاثة هي كـ “طابع” لحياتهم الشخصيّة والجماعيّة، تمامًا كما عاش إخوتنا اليهود الخروج من مصر.
تابع الحبر الأعظم يقول تقترح هذه الأيام الثلاثة على الشعب المسيحي الأحداث العظيمة للخلاص التي قام بها المسيح، وتُطلقه في أفق مصيره المستقبلي وتعزّزه في التزامه في الشهادة في التاريخ. في صباح الفصح، وإذ يستعيد المراحل التي عشناها في الثلاثيّة، يُسمعنا النشيد بشكل احتفاليٍّ إعلان القيامة: “المسيح رجاؤنا قد قام ويسبقنا إلى الجليل”. هذا هو الإعلان العظيم: المسيح قام؛ ولدى العديد من الشعوب ولاسيما في شرق أوروبا لا يحيي الناس بعضهم البعض خلال أيام الفصح بـ “صباح الخير” أو “مساء الخير”، وإنما بهذا الإعلان “المسيح قام”، للتأكيد عليه. بكلمات الابتهاج هذه – المسيح قام – تُتوَّج الثلاثيّة الفصحيّة، فهي لا تحتوي فقط على إعلان فرح ورجاء وإنما أيضًا على نداء للمسؤوليّة والرسالة. فلا ينتهي الأمر بمأكولات وتقاليد العيد، لا… إنها أمور جميلة لأنّه عيد العائلة ولكن الأمر لا ينتهي هكذا، بل تبدأ هنا مسيرة الرسالة والإعلان: المسيح قام! هذا الإعلان الذي تقودنا إليه الثلاثية الفصحيّة وتُعِدُّنا لاستقباله هو محور إيماننا ورجائنا؛ إنّه النواة والإعلان الذي يبشِّر الكنيسة باستمرار والذي دُعيَت هي بدورها للتبشير به.
أضاف البابا فرنسيس يقول يُلخِّص القديس بولس الحدث الفصحي بهذه العبارة: “قَد ذُبِحَ حَمَلُ فِصحِنا، وهو المسيح” (١ كور ٥، ۷)؛ وإذ ذُبح الحمل “زالتِ الأَشياءُ القَديمة وها قد جاءَت أشياءُ جَديدة” (۲ كور ٥، ١۷). لذلك في البدايات كان يُمنح سرّ المعموديّة يوم عيد الفصح. ومساء السبت سأمنح أنا أيضًا سرَّ المعموديّة لثمانية أشخاص بالغين فيولدون مجدّدًا ويبدؤون حياتهم المسيحية. وبصيغة أخرى وموجزة يشرح القديس بولس أنَّ المسيح قد “أُسلِمَ إِلى المَوتِ مِن أَجْلِ زَلاَّتِنا وأُقيمَ مِن أََجْلِ بِرِّنا” (روما ٤، ۲٥). يسوع المسيح هو الوحيد الذي يبرِّرنا ويجعلنا نولد مجدّدًا ولا أحد غيره. ولذلك لا يجب أن ندفع شيئًا لأن التبرير مجّاني وهذه عظمة محبّة يسوع: يعطينا الحياة مجانًا ليجعلنا قديسين، ليجدِّدنا ويغفر لنا. وهذه هي نواة الثلاثيّة الفصحيّة. في الثلاثيّة الفصحيّة تُصبح ذكرى هذا الحدث الأساسي إحتفالاً مفعمًا بالامتنان وتُجدّد في الوقت عينه في المُعمَّدين معنى حالتهم الجديدة والتي يعبِّر عنها بولس الرسول هكذا: “فأَمَّا وقد قُمتُم مع المسيح، فاسعَوا إلى الأُمورِ الَّتي في العُلى… لا إلى الأُمورِ الَّتي في الأَرض” (كول ۳، ١- ۲). وبالتالي علينا أن ننظر إلى العلى ونوسِّع آفاقنا: هذا هو إيماننا وهذا هو برُّنا، هذه هي حالة النعمة. في الواقع، في المعموديّة قُمنا مع المسيح ومُتنا عن أمور العالم ومنطقه؛ وولدنا مجدّدًا كخلائق جديدة: حقيقة تطلب أن تصبح حياة ملموسة يومًا بعد يوم.
تابع الأب الأقدس يقول إن سمح المسيحي للمسيح بأن يغسله، وإن سمح له بأن يُعرِّيه من الإنسان القديم ليسير في حياة جديدة، وبالرغم من أنّه يبقى خاطئًا – لأننا جميعنا خطأة – لا يمكنه أن يكون فاسدًا بعد الآن: لأنَّ التبرير الذي حققه يسوع يخلِّصنا من الفساد – نحن خطأة ولكننا لسنا فاسدين – ولا أن يعيش مع الموت في نفسه ولا أن يكون سبب موت. وهنا يجب أن أقول أمرًا حزينًا ومؤلمًا… هناك مسيحيّون مزيّفون أولئك الذين يقولون “المسيح قام” و”يسوع قد برّرني وأنا أعيش حياة جديدة” ولكنّهم يعيشون حياة فاسدة؛ وهؤلاء المسيحيون تكون نهايتهم وخيمة. ولذلك أُكرّر المسيحي خاطئ وجميعنا خطأة حتى أنا، ولكننا نثق أنّه عندما نطلب المغفرة من الرب هو يغفر لنا. أما الفاسد فهو الشخص الذي يدّعي بأنّه إنسان شريف ولكن قلبه في الواقع مُتعفِّن وفاسد. يسوع يعطينا حياة جديدة ولا يمكن للمسيحي أن يعيش مع الموت في نفسه أو أن يكون سبب موت. لنفكِّر في هذا السياق – ولكي لا نذهب بعيدًا – في بيوتنا وفي الأشخاص المعروفين بالـ “مسيحين المافيا” هؤلاء لا يملكون شيئًا من المسيح بل يحملون الموت في نفوسهم وللآخرين. لنصلِّ من أجلهم لكي يلمس الرب قلوبهم. إنَّ القريب، ولاسيما الأصغر والمتألِّم يصبح الوجه الملموس الذي ينبغي علينا أن نعطيه المحبة التي منحنا يسوع إياها. ويصبح العالم فسحة حياتنا الجديدة كقائمين من الموت. نحن قد قمنا مع المسيح وإذ نقف وجباهنا عالية يمكننا أن نتقاسم ذُلَّ الذين لا يزالون اليوم، على مثال يسوع، في الألم والعُري والعوز والعزلة والموت، ليصبحوا بفضله ومعه أدوات فداء ورجاء وعلامات حياة وقيامة. في بلدان عديدة – وفي إيطاليا وفي بلدي أيضًا – هناك عادة في صباح عيد الفصح عندما يُسمع صوت الأجراس تأخذ الأمهات والجدات الأطفال ليغسلوا عيونهم بالماء، ماء الحياة للإشارة إلى أنّهم يمكنهم الآن أن يروا أشياء يسوع أي الأشياء الجديدة. لنسمح بأن يغسلنا عيد الفصح وأن يغسل عيون نفوسنا فنرى الأشياء الجميلة ونصنع أشياء جميلة. إنّه لأمر رائع وهذه هي قيامة يسوع بالذات بعد موته الذي كان ثمن خلاصنا جميعًا.
وختم البابا أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، لنستعدَّ كي نعيش جيّدًا هذه الثلاثية الفُصحيَّة – التي نبدؤها غدًا –، لنندرج بشكل أعمق وعلى الدوام في سرِّ المسيح الذي مات وقام من أجلنا. لترافقنا في هذه المسيرة الروحيّة العذراء الكليّة القداسة التي تبعت يسوع في آلامه – كانت هناك تنظر وتتألَّم… – لقد كانت حاضرة معه ومُتِّحدة به تحت صليبه، ولم تخجل به لأنَّ الأم لا تخجل بابنها أبدًا. لقد كانت هناك ونالت في قلبها، قلب الأم، فرح القيامة الكبير؛ ولتنَل لنا النعمة بأن تؤثِّر فينا داخليًّا احتفالات الأيام المقبلة، لكي تتحوَّل حقًّا قلوبنا وحياتنا. وإذ أترك لكم هذه الأفكار، أتوجّه إليكم بأمنياتي القلبيّة لعيد فصح سعيد ومقدّس مع جماعاتكم وأحبائكم. وأترك لكم نصيحة أيضًا: خذوا الأطفال في صباح عيد الفصح واغسلوا لهم عيونهم سيكون هذا الأمر علامة على أنّهم يرون المسيح القائم من الموت.
إذاعة الفاتيكان