أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء مقابلته العامة مع المؤمنين في قاعة بولس السادس بالفاتيكان واستهلَّ تعليمه الأسبوعي بالقول إن إعلان الانجيل في كتاب أعمال الرسل لا يقوم على الكلمات وحسب وإنما على أعمال ملموسة أيضًا تشهد على حقيقة الإعلان. إنها “الأَعاجيبِ والآيات” (أعمال ٢، ٤٣) التي كانت تجري على أيدي الرسل مثبّتة كلمتهم ومظهرة أنّهم كانوا يعملون باسم المسيح. هكذا يشفع الرسل ويعمل المسيح “مَعَهم ويُؤَيِّدُ كَلِمَتَه بِما يَصحَبُها مِنَ الآيات” (مرقس ١٦، ٢٠).
تابع الأب الأقدس يقول نجد أنفسنا اليوم أمام أول رواية شفاء لكتاب أعمال الرسل، ولها هدف رسولي واضح موجّه ليحرك الإيمان. ذهب بطرس ويوحنا للصلاة في الهيكل، مركز خبرة إيمان إسرائيل، الذي لا زال المسيحيون الأوائل مرتبطين به ارتباطًا وثيقًا. ويسجّل القديس لوقا الساعة: كانت السَّاعة الثَّالِثَة بَعدَ الظُّهر، عندما كانت تُقدّم الضحية ذبيحة كعلامة لشركة الشعب مع إلهه، وهي أيضًا الساعة التي مات فيها المسيح مقدّمًا ذاته “مَرَّةً واحِدَة” (عبرانيين ۹، ١٢) للأبد. فرأيا على بابِ الهَيكلِ المَعروفِ بِالبابِ الحَسَن متسولاً، رجل كسيح مِن بَطنِ أُمِّه. لقد كانت شريعة موسى تمنع من تقدمة الذبائح كل من كان يعاني من إعاقة جسديّة تُعتبر نتيجة لذنب ما، وبالتالي كان محرّم عليه حتى دخول الهيكل. وقد كان الكسيح، نموذج العديد من مهمّشي ومقصيي المجتمع، يطلب الصدقة مِنَ الَّذينَ يَدخُلونَ الهَيكَل ككل يوم، عندما حصل أمر غير متوقّع: وصل بطرس ويوحنا وولد تبادل نظرات: نظر الكسيح اليهما ليلتَمَسَ مِنهما الحُصولَ على صَدَقَة. فحَدَّقَ إِلَيه بُطرُس وكذلكَ يوحنَّا، ودعياه لينظر إليهما بشكل مختلف لينال عطيّة أخرى، فنظر الكسيح إلى بطرس، فقالَ له بُطرُس: “لا فِضَّةَ عِندي ولا ذَهَب، ولكِنِّي أُعْطيك ما عندي: بِاسمِ يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ امشِ!”. لقد بنى الرسولان علاقة، لأن هذا هو الأسلوب الذي يحب الله أن يظهر نفسه من خلاله، في العلاقة، دائمًا في الحوار والظهورات وإلهامات القلب: هكذا يتواصل الرب معنا، من خلال لقاء حقيقي بين أشخاص يتمُّ فقط في الحب.
أضاف البابا فرنسيس يقول بالإضافة إلى المركز الديني، كان الهيكل أيضًا مكان التبادل الاقتصادي والمالي وضدّ هذا الامر ثار الأنبياء ويسوع مرات عديدة. وإذ التقى بالرسولين لم يجد ذلك المتسول مالاً بل وجد الاسم الذي يخلّص الإنسان: يسوعَ المَسيحِ النَّاصِريِّ! دعا بطرس اسم يسوع وأمر الكسيح أن يقف على قدميه وأَمسَكَه بِيدِه اليُمْنى وأَنهَضَه، وفي هذا التصرُّف يجد القديس يوحنا فم الذهب “صورة للقيامة”. وهنا تظهر صورة الكنيسة التي ترى من يعيش في صعوبة ولا تغلق عينيها بل تعرف أن تحدِّق إلى البشريّة لكي تخلق علاقات مهمّة وجسور صداقة وتضامن بدلاً من الحواجز؛ فيظهر هكذا وجه كنيسة بدون حدود تشعر أنّها أمُّ الجميع وتعرف كيف تمسك باليد وترافق لتُنهض لا لتحاكم وتدين. فيسوع يمدّ يده على الدوام ويسعى لينهض الناس ويشفيهم، ولكي يكونوا سعداء ويلتقوا بالله. إنّه فن المرافقة الذي يتميّز بالرقة التي من خلالها نقترب من “أرض الآخر المقدّسة” ونعطي للمسيرة “وتيرة القرب السليمة مع نظرة مُحترمة ومُفعمة بالشفقة ولكنها في الوقت عينه تشفي وتحرر وتشجّع على النضوج في الحياة المسيحية” (فرح الإنجيل، عدد ١٦۹).
وختم الأب الأقدس تعليمه الأسبوعي بالقول يعلّمنا بطرس ويوحنا ألا نثق بالوسائل، التي هي أيضًا مهمّة، وإنما بالغنى الحقيقي الذي هو العلاقة مع القائم من الموت. نحن في الواقع – كما يقول القديس بولس – “فُقراءَ ونُغْني كَثيرًا مِنَ النَّاس، لا شَيءَ عندَنا ونَحنُ نَملِكُ كُلَّ شيَء” (٢ قورنتس ٦، ١٠). إن كل ما نملكه هو الإنجيل الذي يظهر قوّة اسم يسوع الذي يحقق المعجزات. ونحن ماذا نملك؟ ما هو غنانا وما هو كنزنا؟ بماذا يمكننا أن نغني الآخرين؟ لنطلب من الآب نعمة ذاكرة ممتنّة في تذكّر ثمار محبّته في حياتنا لكي نقدّم للجميع شهادة التسبيح والامتنان.
أخبار الفاتيكان