استأنف البابا فرنسيس مقابلاته العامة المعتادة مع المؤمنين في قاعة البابا بولس السادس بالفاتيكان، بعد الاستراحة الصيفية. وقد استقى البابا تعليمه من رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل غلاطية الفصل الثالث عندما كتب رسول الأمم “لأنكم جميعا أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع. لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح: ليس يهودي ولا يوناني. ليس عبد ولا حر. ليس ذكر وأنثى، لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع”. وقال البابا إن الكنائس كانت موجهة نحو الشرق في الزمن الغابر وكان الناس يدخلون من الباب الموجود في الناحية الغربية ويسيرون شرقا. وكان هذا يشكل رمزا هاما بالنسبة للإنسان آنذاك وسرعان ما فُقدت هذه الرمزية. بعدها قال فرنسيس إن الغرب يشكل نقطة مغيب الشمس حيث يموت النور، أما الشرق فهو المكان حيث يتغلّب بزوغ الفجر على الظلمات ويذكرنا بالمسيح، الشمس المشرقة في أعالي آفاق العالم.
هذا ثم انتقل فرنسيس إلى الحديث عن المعمودية وقال إن الطقوس القديمة كانت تقتضي أن يُعلن الشخص الذي ينال هذا السر عن إيمانه موجها نظره نحو الغرب، وينبذ الشيطان. وكان بعدها يوجه أنظاره شرقا حيث يُشرق النور وكان يُعلن عن إيمانه بالآب والابن والروح القدس. وقال البابا إنه في زماننا المعاصر فُقد هذا الطقس جزئياً، وبقي الإعلان عن الإيمان لحظة نوال سر المعمودية. وتساءل فرنسيس: ما معنى أن يكون المرء مسيحيا؟ إنه يعني النظر إلى النور، والاستمرار في الإعلان عن الإيمان بهذا النور، حتى عندما يكتنف العالمَ الليل والعتمة.
بعدها أكد البابا أن المسيحيين ليسوا معفيين من الظلمات، الخارجية والداخلية، وهم لا يعيشون خارج العالم لكنهم أشخاص توجّههم وتقودهم نعمة المسيح: إنهم لا يؤمنون بالعتمة بل بوضح النهار، ولا يستسلمون لليل بل يأملون بالفجر، لا يهزمهم الموت بل يتوقون إلى القيامة، ولا ينصاعون للشر لأنهم يؤمنون دائما بإمكانات الخير اللامحدودة. ولفت البابا إلى أننا كمسيحيين نؤمن بأن الله أب: هذا هو النور! ونؤمن بأن يسوع نزل إلى وسطنا، وسار في دروب حياتنا، وكان رفيقا للفقراء والضعفاء: هذا هو النور! ونؤمن بأن الروح القدس يعمل بلا هوادة من أجل خير البشرية والعالم، ونؤمن بأن آلام التاريخ الكبيرة سيتم تخطيها: هذا هو الرجاء الذي يحملنا على الوقوف في كل صباح! تابع البابا فرنسيس يقول: نؤمن بأن كل عطف وكل صداقة وكل رغبة صالحة وكل محبة ستجد يوما ما ملأها في الله: هذه هي القوة التي تدفعنا إلى معانقة حياتنا في كل يوم!
بعدها توقف البابا عند علامة أخرى في ليتورجية المعمودية تذكرنا بأهمية النور، عندما يتسلم الشخص المعمد أو الأهل إذا كان المعمد طفلا شمعة تضاء من شمعة عيد الفصح، هذه الشمعة التي تدخل إلى عتمة الكنيسة ليل عيد الفصح، كي تعكس سر قيامة المسيح من بين الأموات. من هذه الشمعة يضيء كل مؤمن شمعته ويمرر النور للمؤمن الآخر، وبهذه الطريقة ينتشر نور قيامة يسوع في حياة جميع المسيحيين. وذكّر البابا المؤمنين بأنهم ولدوا مرتين لأن الولادة الثانية كانت اللقاء مع الرب والذي تم من خلال سر المعمودية. وقال فرنسيس إن روح يسوع يعيش ويعمل فينا، متحدثا عن نعمة أن يصير كل مسيحي “حاملا للمسيح” في العالم لاسيما إلى الأشخاص الذين يعيشون أوضاعا من الحداد واليأس والظلمة والحقد. وأشار إلى النور الذي يحمله المسيحي في عينيه، وإلى الهدوء والطمأنينة اللذين ينعم بهما حتى في الأوضاع الحرجة والمعقدة، وإلى الرغبة في عيش الحب تجاه الآخرين من جديد حتى عندما تُخيّب الآمال.
في ختام مقابلته العامة مع المؤمنين وجه البابا تحياته إلى وفود الحجاج والمؤمنين القادمين من إيطاليا ومختلف أنحاء العالم لحضور المقابلة العامة الأسبوعية. وتمنى أن تنمّي زيارة الحج إلى ضريحي الرسولين بطرس وبولس الرغبة في تجديد الالتزام لصالح الإنجيل. وقال إنه يفكر بنوع خاص بالشبان والمرضى والأزواج الجدد آملا أن يساعد عيد التجلي ـ الذي سيُحتفل به يوم الأحد المقبل ـ الجميع على عدم فقدان الرجاء وعلى الاستسلام بثقة بين يدي المسيح مخلصنا.
إذاعة الفاتيكان