أجرى البابا فرنسيس صباح اليوم مقابلته العامة المعتادة مع المؤمنين متابعا سلسلة تعاليمه حول الرحمة من الكتابات المقدسة، لافتا إلى أن رحمة الله حاضرة على مر التاريخ، تاريخ شعب إسرائيل. برحمته رافق الرب مسيرة الآباء ومنحهم البنين على الرغم من كون زوجاتهم عاقرات، وقادهم في دروب النعمة والمصالحة، كما تُظهر لنا رواية يوسف وأخوته. وقال البابا في هذا السياق إنه يفكر بالعديد من الأخوة الذين لا يتحدثون مع بعضهم البعض، لافتا إلى أن سنة الرحمة هذه تشكل فرصة ملائمة ليعانق الأخوة بعضهم البعض وينسوا الأمور القبيحة!
بالعودة إلى الحديث عن خبرة شعب الله في مصر، قال البابا إن الحياة في مصر كانت قاسية، وعندما كان الشعب على شفير الانهيار، هب الرب لنجدته فتدخل من خلال عمل الخلاص. وأشار البابا بعدها إلى ما ورد في سفر الخروج “وكانَ في هذه المُدَّةِ الطَّويلةِ أَنْ ماتَ مَلِكُ مِصر. وكانَ بَنو إسْرائيلَ يَتَنَهَّدونَ مِن عُبودِيَّتِهِم، فصَرَخوا وصَعِدَ صُراخُهم إِلى اللهِ مِنَ العُبودِيَّة. فسَمِعَ اللهُ أَنينَهم وذَكَرَ عَهدَه مع إِبْراهيمَ وإِسحقَ وَيعْقوب. ونَظَرَ اللهُ إِلى بَني إِسْرائيلَ وعَرَفَ اللهُ”. (خروج 2، 23-25).
وقال البابا في هذا السياق إن الرحمة لا تسعى أن يقف غير مبالية إزاء آلام ومعاناة المضطهدين، وأمام صرخة من يعاني من العنف ومن يُستعبد ويُحكم عليه بالموت. وأكد البابا أن هذا الواقع المؤلم يعني كل مرحلة من التاريخ بما في ذلك الحقبة التي نعيشها اليوم، مذكرا بأن الله ليس غير مبال، كما جاء في رسالته لمناسبة اليوم العالمي للسلام 2016، إنه لا يرفع نظره قط عن آلام البشرية.
شدد البابا على أن إله الرحمة يتجاوب معنا ويعتني بالفقراء ومن يصرخون بدافع اليأس، إن الله يصغي ويتدخل لينقذ الأشخاص، ويحث الناس على الاستماع إلى أنين المتألمين. وسلط فرنسيس بعدها الضوء على ما فعله موسى عندما واجه فرعون ليقنعه بأن يفرج عن شعب إسرائيل، قبل أن يقود الشعب عبر البحر الأحمر والبرية باتجاه الحرية. إن موسى، الذي أنقذته الرحمة الإلهية من الموت عندما ألقي في نهر النيل بعيد ولادته، أصبح وسيطا للرحمة نفسها، وسمح للشعب بأن يبصر نور الحرية وأنقذه من مياه البحر الأحمر.
وتوجه البابا إلى المؤمنين حاثا إياهم ـ خلال سنة الرحمة هذه ـ على أن يكونوا هم أيضا وسطاء للرحمة من خلال القيام بأعمال الرحمة والاقتراب من الآخرين والتخفيف من معاناتهم والقيام بأفعال طيبة كثيرة. هذا ثم ذكّر البابا الجميع بأن رحمة الله تتصرف لتنقذ الناس، وهذا يتعارض تماما مع من يتصرفون ليقتلوا الآخرين: من يخوضون الحروب. إن الرب، ومن خلال موسى خادمه، قاد شعب إسرائيل في البرية كابن له، رباه على الإيمان وأقام معه عهدا، وخلق رابطا قويا من المحبة، كالرابط الذي يجمع الأب بالابن أو الزوج بالزوجة. لقد أقام الله علاقة حب مميزة وخاصة مع شعبه وقال له من خلال موسى “إِن سَمِعتُمِ سَماعاً لِصَوتي وحفَظِتُم عَهْدي، فإِنَّكم تَكونونَ لي خاصَّةً مِن بَينِ جَميعِ الشُّعوب، لأَنَّ الأَرضَ كُلَّها لي. وأَنتُم تَكونونَ لي مَملَكةً مِنَ الكَهَنَة وأُمَّةً مُقَدَّسة” (خروج 19، 5-6).
بعدها أكد البابا فرنسيس أن رحمة الرب تجعل الإنسان ثمينا، كشيء نفيس يقتنيه ويحفظه ويُسر به. هذه هي روائع الرحمة الإلهية التي تبلغ ملأها في شخص الرب يسوع المسيح وفي هذا العهد الجديد والأبدي الذي أقامه بدمه، والذي يقضي على الخطيئة من خلال الغفران ويجعلنا نهائيا أبناء لله، وجواهر نفيسة بين يدي الآب الصالح والرحوم.
في ختام تعلميه الأسبوعي وجه البابا كعادته تحياته إلى وفود الحجاج والمؤمنين الذين قرأت عليهم خلاصة لتعليم اليوم بلغات عدة، وذكّر المؤمنين بأن المجلس البابوي قلب واحد “كور أونوم” ولمناسبة يوبيل الرحمة، نظم يوما للرياضة الروحية للجماعات والأشخاص الملتزمين في أعمال المحبة والخدمات الخيرية. وقال إن هذا اليوم الذي سينظم على الصعيد الأبرشي خلال زمن الصوم يشكل مناسبة ملائمة للتفكير بالدعوة لأن نكون رحماء كالآب. وحث في الختام المؤمنين على التجاوب مع هذه المبادرة مستعينين بالتوجيهات التي أعدها المجلس البابوي المذكور.
إذاعة الفاتيكان