بات من الصعوبة بمكان تبيان الضحيّة من الجاني، ومعرفة المظلوم من الظالم في العلاقة بين السلطة والصحافة والمواطن. علاقةٌ معقّدة تحكمها مصالح السياسة التي لا تأبه بحريّات التعبير والمواطنة إلَّا على مستوى الشعارات، حيث لا أصلح من يوم عالمي لحرية الصحافة من أجل إظهار المظلومية وتغييب المسؤوليات. لهذا، كان الحديث منذ بداية الشهر الجاري عن تقرير منظمة «فريدوم هاوس الأميركية» الذي صنّف العالم وفق فئات ثلاث: حرّة (شملت 63 دولة بنسبة 14 في المئة)، حرّة جزئياً (68 دولة بنسبة 42 في المئة) وغير حرّة (66 دولة بنسبة 44 في المئة). وفيما سادت مفردات تراجع حرية الصحافة وانتكاسات الإعلام هنا وهناك، وتوصيفات تحوّل دولا، مثل تركيا، من منطقة الحرية الجزئيّة إلى تلك المفتقرة للحرية، انشغلت وسائل الإعلام المحلية في كلّ بلد، بالتعبير عن الصدمة من الترتيب المتأخر للدولة على سلّم الحريات. وقد يكون التعبير عن الصدمة هو المفاجئ أكثر من التصنيف ذاته، لأن وسائل الإعلام ذاتها تنشر، أو تحاول إخفاء، كل ّ يوم تقريباً، حادثة مرتبطة بحرية الصحافة والتعبير. لا جديد في كون البحرين تتصدّر العشر الأواخر، تليها سوريا التي يمكن كتابة الكثير عن جحيمها الإنساني أولاً والمهنيّ ثانياً. أما الولايات المتحدة فقد شهدت، حسب التقرير، «انفتاحاً ملحوظاً» وضعها في المرتبة 32.
أما الاحتفاء باليوم العالمي لحرية الصحافة فقد جاء في معظمه مطالباً بوقف استهداف الصحافيين، وإطلاق سراح المحتجزين والمختطفين منهم. فيما كرّست اليونسكو أيام 2، 5 و 6 أيار/مايو لجلسات حول مجموعة من القضايا المخصّصة لاحتفالية هذا العام، تحت عنوان عريض «حرية وسائل الإعلام من أجل مستقبل أفضل».
وتمحور اهتمام الجلسات حول علاقة وسائل الإعلام الحرة بالتنمية لما بعد 2015، وسيادة القانون لضمان سلامة الصحافيين ومكافحة الإفلات من العقاب، والاستدامة والكفاءة المهنية للصحافة هي جزء من التنمية. عناوين نظرية تضع على المحك ضرورة تفعيلها لممارسات تحفظ حقّ التعبير وحرية الإعلام في ضوء ما يصدر كل فترة من إحصاءات مخيّبة لعدد القتلى والمختطفين من صحافيين خلال أداء واجبهم الإعلامي. شعارات تنتظر التطبيق، خصوصاً لدى صانعي القرار في الوطن العربي «لتعزيز نمو الحريات من خلال تفعيل قيم الديمقراطية وحرية التعبير». لكنّ معظم السلطات تواصل النظر إلى الإعلام على أنّه «العدو في الداخل»، وإلى حرية الصحافة أنها مهدّدة للاستقرار.
وفي سياق احتفالية اليونسكو، أُعلن فوز الصحافي التركي أحمد شيخ بجائزة غييرمو كانو العالمية لحرية الصحافة. صحافي التحقيقات البالغ من العمر 44 عاماً، بدأت مشاكله مع الحكومة التركية العام 2007، لآرائه وأفكاره التي تحاربها الدولة التركية وتحظّر عليه نشرها. وقالت اليونسكو بأنّ شيخ كرّس مهنته للدفاع عن حقوق الإنسان وشجب ظواهر الفساد والانتهاكات في تركيا. وقد سبق له أن اعتُقل في آذار/مارس العام 2011، وأفرج عنه بعد عام كامل، كما أصيب بجروح خلال تغطيته مظاهرة مناهضة للحكومة في 2013.
فادي الطويل / السفير