نعودُ إلى تريزيا في يَومِ عيدِها، لنكتَنِزَ مِمَّن اكتنَزت، ونغتَني بِمَّن اغتنت. وكنزُ تريزيا لا يشِحُّ وغِناها لا يَنضَب، لأنَّها آمنتِ بِربِّ الكنوز، وإله الغِنى، حبيبُها، كما تُسمِّيه : يسوع المسيح.
1- يسوع الخير الأَعظم
وهي في الخامسة عشرة من عُمرِها، وبعد سنواتٍ أربعة من قربانتها الأولى، كتبت تريزيا رسالةً صغيرَةً بأسطُرِها، إلى أُختِها سيلين تُخبِرُها فيها عن العظائِم التي حقّقها الله في نفسِها بواسِطة سرِّ القربان. “في مِثلِ هذا اليوم منذُ أربعِ سنوات تناولتُ قُربانتي الأولى، هل تَذكُرين؟ كَم أَغدَقَ الله عليَّ مِن نِعَمٍ منذُ ذلِكَ الوقت! أُسائِلُ نفسي مِراراً، يا عزيزَتي سيلين، هل أنا حقّاً في الكَرمِل،( أي راهِبَةً في دير الكرمل) وأكادُ مِراراً لا أُصَدِّق ذلِك. ماذا فعلت، واأسفي، لله، ليَغمرني إلى هذا الحدّ بنعمتِه؟“.
تريزيا في الدير بِنعمَةٍ خاصَّةٍ من الله الحاضِرِ في نفسِها في سِرِّ القُربان. إنَهُ، في الواقِعِ، لَسِرٌّ عظيم، يقود النفسَ إلى المراعي الخصيبَة، إلى خيرِها الأَعظم، وقد وجدت خيرَها الأعظم في التكرُّسِ الكاملِ ليسوع في الحياة الدَّيرية.
2- يسوع هو الوجود
يسوع هو كُلُّ حياتِها، هو رجاؤها وسلامُها وتعزيتُها الوحيدة، في زمنِ الفرح، كما في زمن الوحدة والألم، “وفي مقدورِ يسوع أن يصنَعَ بِها كُلَّ ما يُريد” (رسالة إلى سيلين في 23تموز1888) ، لا بل أَكثرَ من ذلِك، سنسمعُها وبعد أن تقدَّمت في حياتِها الديرية، وبِوحيٍ من والِدها الذي لطالما ردَّد أمامها وأمام شقيقاتِها هذه الآية من الكتاب المقدَّس:” باطِل الأباطيل، كُلُّ شيءٍ باطِل، باطِلَةٌ الحياة الزائِلة“؛ سنسمعُها تقول:” وكُلَّما تقدَّمتُ، تحقَّقَ لي أنَّ كُلَّ ما على الأرض باطِل” (رسالة إلى والدها السيد مارتان31تموز1888)، وتهتِفُ بأعلى صوتِها قائِلَة:” لا وجودَ إلاَّ ليسوع، وما تبقَّى ليسَ بموجود”، “فليَعِش يسوع…ما أعذَبَ التكرُّسَ لهُ والتضحيَةَ في سبيل حُبِّه!” (رسالة إلى سيلين في 12 آذار1889).
3- الحياة تمضي والأبدية تقترب
وفي الرسالة نفسها إلى سيلين، كتبت في موضوعِ الحياة والأبدية قائِلَةً “الحياة تمضي والأبدية تقترب بِخُطى سريعة!…عمّا قريب سنحيا حياةَ يسوع بالذات”(الرسالة إلى سيلين في 12 آذار1889) . وفي حديثِها عن العالَم الآخر ، لا تأتي تريزيا على ذكر جهنّم، بل على ذكر المحبّة؛ فالمحبَّة أقوى من جهنَّم، لا بل من الموت وقواتِه وأضاليله، وهي، أي جهنم، غريبة عن الذين يُحبّون الله. قال يسوع :” الحقَّ الحقَّ أقولُ لكُم مَنْ يَسمَع لي ويُؤمِن بِمَنْ أرسَلَني فلَهُ الحياةُ الأبديَّةُ، ولا يَحضرُ الدينونَةَ، لأنَّهُ انتَقَلَ مِنَ الموتِ إلى الحياةِ“( يوحنا5\24). تتكلَّمُ تريزيا إذاُ، عن المحبَّة وعن يسوع المحبَّة، ومن الطبيعي أن يلتقي يسوع، مَن أَحبَّ يسوع في هذه الدنيا ووهب له كلّ ذاته.
في شخصِ يسوع، وجدت تريزيا سلامها وقوّتها وتعزيتها وغِناها وسعادتها الأرضية والأبدية. ونحن بدورنا محتاجون إلى الإنتقال من مرحلةِ الطفولة المُكتفية بالطقوس وببعض التقويات والمعارف البسيطة، إلى مرحلَةِ البلوغ التي تُغذِّيها العلاقة الشخصية بالرب يسوع والدخولِ عميقاً في سرِّ المحبّة، فنجد سعادتنا وسلامنا، ونهتِفَ بفرح هتاف تريزيا:” لا وجود إلاَّ ليسوع، وما تَبَقّى ليسَ بِمَوجود…لِنُحبّه حتّى الجنون”.
صلاة
أيتها القديسة تريزيا الصغيرة، نسألُكِ أن تُحرّرينا من هَوى الأرض وأباطيلِ الزمان، وترفعينا إلى السماء موطِن الخلود حيث نتألَّقُ بالنّور غير الموصوف مع يسوع المحبّة، فنحيا في المسيح ومعه إلى الأبد. آمين
أليتيا