إن فصحنا المسيح المنقذ والمخلص، قد اتضح لنا بصليبه وقيامته فصحًا شريفًا، فصحًا جديدًا مقدسًا؛ فصحًا سِرِّيًا؛ فصحًا جليل الوقار، فصحًا بريئًا من العيب، فصحًا مُخلِّصًا وفاديًا ومُنَجِّيًا ومُقَدِّسًا لجميع المؤمنين به، فصحًا فاتحًا لنا أبواب الفردوس.
فصحًا طبيبًا يداوي ويعصب الجروح، فصحًا يشفي من الفساد، فصحًا يعطي الحياة، فصحًا يُزيل اللعنة والعقوبة، فصحًا يُبيد الموت مانحًا الخلود، فصحًا داس الموت بالموت وأنعم للذين في القبور بالحياة الأبدية، فصحًا أخذ على عاتقه جميع ضعفاتنا، ووضع على نفسه جميع آثامنا، وبجلدته شُفينا، فصحًا فائق التحنن، فصحًا محبًا للبشر، وبسبب محبته هذه أهبط نفسه في الذي لنا ليرفعنا وليرقّينا وليحمل أوجاعنا… فصحًا غلب عدونا إبليس ونزع سلاحه الكامل ووزع غنائمه، وأزال عنّا اللعنة والموت والخطية… فكل ما لم يُؤخذ بواسطة فصحنا المخلص، لا يمكن أن يُشفىَ أو يَخلص.
فصحنا هو إسحق الحقيقي الذي اُقتيد للذبح في وقت المساء، وهو يونان الحقيقي الذي قام في ثالث يوم وصار باكورة الراقدين… فصحنا هو المرموز إليه وهو مُشتهَى كل الأجيال الذي صنع كل التدبير من أجلنا ومن أجل خلاصنا… جُلد و تُفِل في وجهه وأُهين وعُلِّق على الخشبة وسُمّرت رجليه وثقبوا يديه، فصحنا أعطوه خلاً وقسموا ثيابه وألقوا القرعة على لباسه، بينما هو يُمسك أقطار الأرض بقبضته ويجمع كل مختاريه في عُش أبيه، فصحنا طُعن بالحربة في جنبه فسال منه دمٌ وماءٌ لغفران الخطايا… فصحنا ذُبح لأجلنا وهو الراعي ورئيس الكهنة الأعظم، فصحنا هو الذبيحة والكاهن.
وقعت عليه تعييرات المعيّرين ليرد لنا بهجة خلاصنا، فصحنا تحمَّل اللعنة والعار وسَالَ دمه الذكي الكريم لتطهيرنا، فصحنا تبنَّى قضيتنا ووضع نفسه بدلاً عنا، فصحنا ارتضى الهوان والمرارة والخزي حتى يمنحنا حلاوة مراحمه، فصحنا أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة.
فصحنا أحد الثالوث القدوس الذي صالحنا بدم صليبه، فصحنا فك قيودنا الأبدية وصالح العالم لنفسه، فصحنا ألبسَنا ثوب بره ليستر عُرينا وفضائح خزينا. فصحنا تألم من أجلنا في الجسد، وبموته المحيي أبطل موتنا وتدفقت لنا منه جميع الخيرات الخلاصية، فصحنا من أجلنا قدس ذاته ليقدسنا جميعًا وليصفح عن أزمنة جهالاتنا، فصحنا هو باكورتنا الذي يمنحنا البراءة الكلية والدالة الكاملة، فصحنا شفاؤنا ودواؤنا من الإصابة بالفساد وهو الذي أعطانا إمكانية النصرة على أمراض الشهوات والزلات والملذات، وهو الذي زَجَر حركات الخطية المغروسة في طبيعتنا المائتة بعد أن أفاض علينا شركة وسائط نعمته وجعلنا أبناء وورثة معه بل ورعية مع القديسين وأهل بيت الله.
فصحنا قتل أوجاعنا بآلامه الشافية المُحيية، ومزق صك خطايانا، وأبطل أهواء الهوان… فصحنا الواحد وضع نفسه من أجل الجميع ليخلص الجميع وليربح ويفدي القطيع، فصحنا أعاد شركتنا الحيّة معه، وقام ليقيمنا وليعطينا عدم الفساد وعدم الموت، فلن نرتعد أو نفزع من الموت ولن نخشاه، بل لم يعُد للموت سلطان علينا… الآن ندوس الموت لأن الموت قد مات، لقد أُبيد الموت وظهرت القيامة، وليس للموت غلبة ولا للهاوية شوكة؛ لأن فصحنا كمَّل كل التدبير وصار فصح الكنيسة الدائم وعبورها المستمر، وصار عملُه الفِصحي مجد الكنيسة وافتخارها وبه تجتاز وسط الأمواج والعواصف من مجد إلى مجد.
يليق بنا نحن أبناء النور وأبناء القيامة أن نضبط أفكارنا وأجسادنا وكل ما لنا، نتطلع إلى ما فوق حيث فصحنا يجلس قائم وكأنه مذبوح، إذ به وحده نغلب الموت والخطية والفساد، أما الذين لا يتجاوبون مع نعمة القيامة منذ الآن تجاوبًا روحيًا وعمليًا ولا يسلكون في جِدَّة الحياة إنما يحوِّلون نعمة القيامة لدينونتهم ولهلاكهم فتصير لهم أقسى من الموت نفسه.
إذ أن قيامته المجيدة لن تفيد شيئًا أولئك الذين يرفضونها ولا يتجاوبون معها، لن تفيد الذين يعيشون في قبور خطاياهم وشرورهم، لن تفيد الذين يعرجون بين الفرقتين.
فلنعيِّد قيامتنا ولنَعِشْها… حيث أن فصحنا هو جذرنا وباكورتنا قد دعانا لنعيش كما يحق لإنجيله، وهو الذي أُقيم لأجل تبريرنا كي نحيا، لا لأنفسنا بل لأجل من أحبنا، نعيش حياة في البِر ونلبس صورة السماوي… إذ ليس هناك مستحيل عند فصحنا الذي يُظهِر لنا قيامته حتى ولو كانت الأبواب مغلقة، فكل شيء مستطاع لدى المؤمن وكل شيء يُستعاد مجدَّدًا إلى الآب من الابن بواسطة الروح القدس.