في احتفال عيد الميلاد بالغرب؛ نرى مغارة مصنوعة من قش ناعم معطَّر؛ وشجرة مزينة وديكورًا فخمًا للمذود… بحيث صارت مناسبة عيد الميلاد أو ما اصطُلح عليه (كريسماس) مجرد ألوان وأنوار وزينات وهدايا، غاب عنها جوهر ومعنى الحدث الخلاصي… احتفالاً غاب عنه إخلاء وفقْر المسيح الذي صار فقيرًا كي نغتني نحن بفقره وخلاصه وقداسة مجده. فقد أُلصِقت بالمناسبة سطحيات حوّلتها إلى موسم للتسويق والترفية والفلكلور وقياس الحالة الاقتصادية والاستهلاك.. اكتفىَ الغرب بالتعييد للميلاد بهذه المظاهر السطحية.
كذلك غاب تمامًا وبَهُت الاحتفال بعيد القيامة؛ لأن الثقافة الغربية تتعامل مع الموت بطريقة هاجسية؛ تتراجع فيها فكرة المقدس؛ ويتحول الإيمان إلى موضة قديمة وإلى دافع إضافي لاستلاب الإنسان من خلال استخدامه التجاري؛ الأمر الذي جعل من حدث الموت والدينونة مجرد فكرة فلسفية وعبثية؛ تقترب أكثر فأكثر بأن الموت مجرد حدث طبيعي بيولوچي؛ لا قيمة له إلا إذا كنت مؤمنًا وتمارس الإيمان… وبالرغم أن موت المسيح وقيامته هو عمل التدبير الخلاصي؛ لكنه في الغرب صار أقل أهمية وغاب تمامًا؛ لأن فكرة الموت بهتت وفقدت معناها؛ إذ يُراد الهروب من التأمل أو التفكير فيها أو حتى تذكُّرها.
أمّا احتفالات الكريسماس فقد اختُزلت في سانتا وهداياه وبعض الطقوس المجتمعية؛ علاوة على المظاهر الملازمة لفلكلور المناسبة بعد تفريغها من مضمونها الإلهي والخلاصي؛ خاصة عندما يكتشف الطفل أن الأمر لايعدو أن يكون إلا مجرد مزحة أو طرفة لخيال خصب؛ يتم الإعداد لها بتمثيل متقن؛ على عكس ما ترسَّخ؛ وما كان يعتقد. خلوًا من المصداقية ومضاد للمعقولية.
لذلك ينعكس سلبا على الإيمان بالحدث وعلى سلامة الاعتقاد… وهنا لا بُد أن ننبه لحقيقة الأمر بأننا نحتفل في عيد الميلاد بتجسد الله الكلمة صاحب العيد الذي وُلد لنا ومن أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا… وُلد في بيت لحم (بيت الخبز) ليكون خبزنا السمائي.. وُلد في مزود واسطبل حقير للبهائم كي يبارك طبيعتنا ويهذبها ويرقّيها؛ ولكي يرفعها من حضيض أنانية الشهوات والأطماع.. وُلد بمعجزة أعلى من قوانين ونواميس الطبيعة المعروفة.. وُلد كي يصنع الخلاص علانية، ونحن مدعوون أن نأتي إليه لأنه أتى إلينا، عمانؤيل (الله معنا) العجيب والمتعجَّب منه بالمجد؛ الذي يعلن نفسه للسهارَى الساهرين؛ ويحسبهم مع الرعاة الصاحيين ليحرسوا أمر خلاصهم بحراسات الليل؛ مشرقًا علينا بمجده؛ فنتبعه مع جمهور جند الرب؛ حتى وإنْ راعينا إثمًا في قلوبنا؛ يسطع علينا نور وجهه بغفرانه ورحمته التي لا تُستقصىَ؛ ويجمع الحُملان والقطعان إلى حظيرته.
إننا في عيد الميلاد نعيّد لميلاده كي يأتي ويموت ويقوم من أجلنا؛ فننتقل من مرعىً إلى مرعىً عند مقر الحمل الإلهي المولود، ونحمله في داخلنا بعيدًا عن كل المظهريات؛ لأننا سفراؤه؛ ولا عبرة عندنا للأزمنة من غير ولادته فينا، وألف سنة في عينيه كيوم أمس الذي عبر، وهو الذي يملأ أعمارنا بضياء طهارته وخلاصه ورحمته الأبدية (مجدًا في الأعالي وسلامًا على الأرض ومسرة للناس). في عيده نتبع النجم لنقدم هدايانا (قلوبنا وحياتنا وسلوكنا وكل ما لنا). ساعين وراء العلامة نحو حياة الحياة ليحل علينا مجد ضيائه الخلاصي – (طفلاً مقمطًا مُضجعًا في المزود) – كإشارة مسموعة ومرئية من رئيس الرعاة راعي نفوسنا الآتي ليرعانا ويستردنا ويحمعنا؛ لنكون فيه بسر يفوق الوصف؛ وبكيفية لا يمكن التعبير عنها؛ لأن الذي من فوق سكن بيننا على الأرض؛ والذي هو من تحت يرتفع إليه وبالمراحم تمتلئ السماء والأرض من إعلان ملكه.
مسيحنا المولود هو شجرة حياتنا وزينتنا وفرحتنا وهديتنا وعطية جميع العطايا؛ الذي يخلصنا من الرائحة البهيمية؛ لأنه مشير عجيب أبو كل الدهور، نسجد له مع كل الكون؛ ونعيّد له بثياب التسبيح مع الخليقة التي تهللت بمجيئه. نعيِّد له لأنه هو هدف التاريخ ومحوره؛ وهو مركز حياتنا وحضورنا… هو فرحنا في المسرات، وتعزيتنا في الأحزان، ومعونتنا في التجارب، وهو الذي جعل لحياتنا معنىً؛ وقد صار لنا خلاصًا وفصحًا مقدسًا.. فردوسه هو أملنا؛ وصار لنا حصنًا برحمته التي بها أحيا كل الأرواح وفتح العيون ومنحنا البيعة الحلوة. المجد لميلاده بسر التقوى العظيم.
بقلم القمص أثناسيوس چورچ