أقيم قداس احتفالي بعيد شفيع الطائفة المارونية، في كنيسة مار مارون في طرابلس، ترأسه المونسنيور نبيه معوض بمعاونة الكهنة جوزف فرح وسيمون ديب وراشد شويري، في حضور عدد من ابناء المدينة والمناطق المجاورة.
بعد القداس ألقى معوض عظة قال فيها: “نحتفل اليوم باعتزاز بعيد شفيع الكنيسة المارونية، القديس مارون، علما بأن شفاعة القديسين لا تكون حصرية بطائفة معينة. فشمولية قداسة الأفراد هي من شمولية قدسية الله، ولربما انفردت الطائفة المارونية في الكنيسة الكاثوليكية بتسميتها باسم شفيعها. ففي كل مرة كانت تتحضر فيها الكنيسة المارونية لحدث تاريخي فريد كانت تلتف حول قادتها الروحيين مستلهمة روح شفيعها الذي قادها عبر تاريخها الروحي والإجتماعي والسياسي الطويل وأوصلها إلى الألف الثالث الميلادي”.
أضاف: “المارونية تحتل دورا كنسيا وسياسيا فاعلا في مجريات التاريخ القديم والحديث رغم خوفهم المستمر من الاندثار. فقوة الموارنة هي من قوة حبسائهم ونساكهم وقديسيهم. والكنيسة التي تعطي قديسين كشربل ورفقا والحرديني والأخ إسطفان، يمكن أن تعطي أنبياء وأصحاب رؤى يمكنهم قيادة كنيستهم وسط التقلبات السياسية لأن من يعرف أن يصلب نفسه مع سيد الفداء، سيصل حتما معه إلى فجر القيامة. على مثال ابراهيم أبي المؤمنين، ترك مارون أهله وعشيرته واعتنق المشورات الإنجيلية، فأصبح كما يلقبه المطران توادوريطس أسقف قورش آنذاك “القديس والممتاز”. وقد اكتفى ببقايا هيكل بيتا وبجلود الماعز ثوبا يقيه المطر والثلج. وأعطي موهبة شفاء الأمراض وطرد الشياطين، وقد جمع في شخصه “غنى الحكمة الكاملة”، فالتحق به العديد من الشبان، وعند وفاته لم يترك مؤلفات ولا مواعظ، إنما خلق خطا قوامه الشهادة الحية، حملها شعبه الرهباني معه إلى أودية لبنان وجباله، حيث كان القديسون شربل ورفقا والحرديني والأخ اسطفان آخر الذين أزهروا في حديقة مار مارون الذي غرسها في القوروشية فأنماها الرب في لبنان، فتمت فيه الآية: “الصديق كالأرز يزهر ومثل أرز لبنان ينمي”.
وتابع: “مضت قرون ولا يزال خط مارون يسير الكنيسة المارونية وسط العواصف والتشرذم والتفكفك، مذكرا إياها بأن دعوتها الأساسية هي الصليب، وفي رفضها للصليب خيانة لدعوتها ومبررات وجودها. فلا الرفاهية والسير وراء السلطة بغية إعلاء شأن المارونية السياسي والسلطوي على حساب الجلجلة إلا خدعة تؤدي إلى الموت الحقيقي. هكذا على مثال إبراهيم وشعبه ينتقل القديس مارون مع شعبه في هجراته المتكررة يغريهم يوم تقوى ثرواتهم على حساب قداستهم، ويتعاظم مجدهم الأرضي على حساب وداعة المسيح وبساطته. إستطاع بقوة مثله أن يجمع بين عديدين وقد تحولت قوته الجامعة من مستوى النسك إلى مستوى التنظيم الإجتماعي، فنشأ شعب يحمل إسمه ولا يعرف ذاته إلا من خلال الأمانة لهذا الإسم”.
وقال: “المارونية لم تكن تخطيطا وبرنامج عمل، إنها حياة وشهادة للرجاء، فمهما استبدت العواصف وشياطين الحروب، لا يمكن أن يعي الماروني تاريخه إلا كتاريخ تجدد بالروح وشهادة للمحبة وانفتاح على الآخرين، مع تمسك بالأصالة والحفاظ على الهوية مهما تعددت طرق الغربة.يحتاج الموارنة اليوم إلى وقفة وموقف وقرار. وقفة فيها عين على الماضي وعين على المستقبل، عودة إلى الجذور وأخذ العبر من عظمة الأسلاف، وتطلع إلى المستقبل لبعث النهضة برجاء وأمل. أما الموقف فيكون أولا برفض الإحباط والانهزامية، وثانيا بالامتلاء من الذات وثالثا باستمداد القوة من الذي يقوينا”.
وختم معوض: “نحن أمناء، على إرث كبير غال لا يثمن، نحن أمناء على 16 قرنا من القداسة والبطولة والكفاح. نحن أمناء على حضارة وتراث ملء التاريخ. هذا الإرث هو لنا جميعا، والحفاظ عليه مطلوب منا جميعا كل من موقعه وكل بحسب قدراته، وعظمتنا تكمن في الحفاظ عليه ونقله إلى الأجيال بأسلوب عصري منفتح ومتطور يحفظ الماضي ويستطيع أن يتفاعل مع الحاضر. أما القرار فإننا نريد أن نبقى كنيسة واحدة جامعة متأصلة متجذرة واعية يقبلها الجميع وتقبل الجميع، ولها دور على كل الأصعدة. في الختام باسم صاحب السيادة المطران جورج بو جوده السامي الإحترام، نشكر مشاركتكم وحضوركم معنا في هذه المناسبة الكريمة كما نشكر الجوقة على تراتيلها وجهدها لإضفاء جو من الفرح الليتورجي على هذا الإحتفال، ونسأل الله بشفاعة أبينا مارون أن يفيض عليكم خيراته ونعمه. وكل عيد وأنتم بخير”.
وطنية