بعد أن نظرنا في القسم الأول من هذه المقالة إلى البعدين الافخارستي والكريستولوجي اللذين يميزان خبرة الأم تريزا نتوقف على الخبرة المحوية التي التقينا لأجلها باللاهوتي الأب باولو موروكوتي. نعني بهذا خبرة “الليل المظلم” التي مرت بها الأم تريزا.
الأب باولو موروكوتي هو أستاذ اللاهوت الروحي في جامعة الغريغوريانا الحبرية وهو أيضًا معاون روحي في الجامعة الكاثوليكية “أغوسطينو جيميلّي”.
* * *
يعرف المطلعون أن الأم تريزا لم تكن فقط قديسة ملتزمة في عمل الخير الاجتماعي، بل كان لها خبرتها الصوفية التي مرت بليل روحي مظلم وطويل. كيف يمكننا أن نفهم ونفسر هذه المفارقة: فهذه المرأة التي تشع بنور المسيح كانت غارقة في ليل داكن.
في عام 2007 أصدر الأب برايان كولديجشوك كتابًا يحمل عنوان: “كُوني نُوري”. في هذا الكتاب نلتقي للمرى الأولى بوجه مجهول سابقًا للأم تريزا. فهذا الوجه لم يكن يعرفه أحد من المقربين من الأم تريزا.
نحن بصدد الليل المظلم، وهي خبرة خاصة في حياة المتصوفين المسيحيين الكبار. هذا الليل دام كل حياة الأم تريزا.
لكي نفهم هذا السر الذي اكتنف كل وجود الأم تريزا لا بد أن نذكر تعليم القديس يوحنا الصليب، الصوفي الكرملي الذي قدم شرحًا لاهوتيًا وروحيًا لموضوع الليل المظلم. وقد وصف المعلم الروحي هذه الخبرة كخبرة وجشة تُعاش كهبة صوفية أصيلة.
هذا الليل الروحي هو دعوة لكي يعيش المتصوف بشكل مستمر ومتواصل مع يسوع، في شركة عميقة معه. فبالرغم من ألم هذه الخبرة، يعيش المؤمن خبرة تطهير كبيرة يضحي فيها المؤمن شبيهًا جدًا بيسوع المسيح على الصليب. يضحي أيقونة للمسيح العروس.
من خلال تحليلنا لحياة الأم تريزا على ضوء تعليم يوحنا الصليب، نكتشف أن الأم لم تكن مجرد مسيحية طيبة، بل كانت متصوفة عميقة. تشكل الأم تريزا بحق شخصية يلتقي فيها البعد الظواهري والبعد الصوفي في صلابة وأصالة شهادة حياة أصيلة.
زينيت