التطورات الاخيرة في العراق وسوريا وتهجير المسيحيين، احتلت الحيز الاكبر في البيان الختامي للقمة الروحية التي عقدت امس في دار الفتوى بمشاركة القادة الروحيين للطوائف الاسلامية والمسيحية.
أشاد رؤساء الطوائف المسيحية والاسلامية بالمواقف “المبدئية التي أعلنها المفتي عبد اللطيف دريان في خطاب انتخابه وتنصيبه، والتي جدد فيها تأكيد الحريات التي أعلنها الأزهر الشريف، وهي حرية العقيدة والعبادة وحرية الرأي والتعبير وحرية البحث العلمي وحرية الابداع الأدبي والفني”.
وتوقفت القمة مطولاً عند “الانتهاكات المروعة لحقوق الانسان وكرامته والتي استهدفت مواطنين ابرياء، وخصوصا في سوريا والعراق ولبنان، وانعكاساتها الخطيرة على الأمن والسلام والاستقرار وعلى كرامة الانسان وحقوقه”. وأعرب القادة الروحيون عن “ألمهم الشديد لاستمرار خطف المطرانين يوحنا ابراهيم وبولس يازجي وعدد من الكهنة المغلف بالصمت المطبق حول مكان وجودهم وهوية الخاطفين”.
قضية العسكريين المخطوفين في جرود عرسال حضرت في القمة واعتبر الحاضرون ان”انتهاك حرية العسكريين بمثابة انتهاك لحرياتهم جميعا”. كما أعربوا عن “ألمهم الشديد لخطف جنود ورجال أمن لبنانيين من شراذم مسلحة، وقتل بعضهم بطرق وحشية”.
ونددوا “بهذه الجرائم البشعة”، وطالبوا ببذل كل الجهود من قبل الحكومة اللبنانية لإطلاق المحتجزين بأسرع وقت “رحمة بهم وبعائلاتهم”.
مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار قال لـ”النهار” على هامش القمة ان “ما يحدث في الخارج ليس له علاقة بنا، وعلينا تحصين ساحتنا الداخلية عبر التلاقي مسلمين ومسيحيين لنصون وطننا، وهذا اللقاء يشكل الرد الانجع على أي هجمة خارجية”. بدوره شدد الأمين العام للجنة الحوار المسيحي – الاسلامي الامير حارس شهاب على دور المرجعيات الروحية “لكونها صمام الامان في لبنان” واضاف: “هذه القمة تفتح نافذة على المستقبل وتمنح الامل لمجتمعاتنا في ظل المخاطر الكبيرة التي تتهدد المسيحيين، وعليهم البحث عن خيار آخر غير الهجرة لأنهم شكلوا العنصر الاساسي في بناء حضارة هذه المنطقة “.
وبعد انتهاء القمة تلا الامين العام للجنة الوطنية للحوار الاسلامي – المسيحي محمد السماك البيان الختامي، ومما جاء فيه: “(…) إن لبنان في حاجة الى رئيس يتمتع بالرؤية والحكمة وبالقدرة على قيادة اللبنانيين نحو جوامع مشتركة تمكنهم من اجتياز الصعوبات والتحديات التي تواجههم”.
وطالب المجتمعون مجلس النواب “بالقيام بواجبه الدستوري الاساسي والمبادرة الفورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون رأس الدولة ورمز وحدة الوطن، يمثل سيادة لبنان ويسهر على أمنه وسلامته ويصون وحدته الوطنية وسلامة أراضيه ويحترم دستوره. وان التأخير في انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، في وقت يواجه فيه مسيحيو الشرق المعاناة الشديدة على ايدي قوى ارهابية متطرفة، يعطل دور لبنان في اداء رسالته الوطنية والعربية النبيلة التي لا يكون إلا بها.(…)”.
وطالب البيان القوى السياسية والحزبية اللبنانية المختلفة “بالابتعاد بلبنان عن الصراعات الخارجية وسياسات المحاور الاقليمية والدولية التي تعرضه لخطر استباحة أرضه وتحويله مرة جديدة الى مسرح لصراعات الآخرين، وتأكيد أهمية تعزيز الجيش اللبناني والقوى الامنية ودعمها لأداء دورها في المحافظة على سلامة لبنان واستقراره في وجه المخاطر التي يتعرض لها”.
ودعا الى “معالجة قضية النازحين السوريين الى لبنان بحكمة ومسؤولية، لما باتت تشكله من أعباء ثقيلة على الاستقرار الاجتماعي، ومن أخطار كبيرة على الأمن الوطني والسلم الاهلي(…)”.
وشددت القمة الروحية على احترام ميثاق الطائف، ودانت الجرائم في العراق وسوريا التي ترتكبها “الشراذم المسلحة بحق المسيحيين والمسلمين وسواهم ، واستباحة ممتلكاتهم ودور العبادة، والاساءة الى إيمانهم، هي كلها جرائم ضد الانسانية وضد الدين معا. فممارستها باسم الاسلام تشكل انتهاكا للاسلام في قيمه وتعاليمه، واساءة بالغة اليه وتشويها لصورته. وهو براء منها ومن اصحابها. بل يحرم كل من يمارسها او يشجعها او يدعو اليها، والمسلمون كانوا في طليعة ضحاياها. (…)”.
وندّد البيان بتهجير المسيحيين، واكد ان “الشرق يستمر بمسلميه ومسيحييه معا أو لا يكون. ولذلك فإن اصحاب السماحة والغبطة والسيادة، اذ ينددون بشدة بعمليات التهجير الارهابي، يناشدون ابناءهم المسيحيين خصوصا، التمسك بأوطانهم والتشبث في أرضهم. صحيح ان الظلم قاهر، لكنه عابر، وصحيح ان ليل الارهاب حالك، ولكن لا بد له أن ينجلي”.
ودعا القادة الروحيون الى “استخلاص العبر من المحنة الدامية والمدمرة التي تمر بها مجتمعات عربية عانت طويلا من ثنائية الاستبداد والارهاب (…)”.
وختم البيان بإدانة ما اقترفته اسرائيل في غزة بالتزامن مع تهجير المسيحيين، ودعا الى “احترام حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفي اقامة دولته الوطنية على ارضه وعودة المهجرين من ابنائه الى هذه الدولة”.
وقررت القمة تشكيل وفد إسلامي – مسيحي مشترك لعرض الأخطار المترتبة على قضية انتهاك حقوق المسيحيين العرب وتهجيرهم، أمام المرجعيات الدينية والمراجع السياسية العربية.
وإثر انتهاء القمة، أقام المفتي عبد اللطيف دريان مأدبة غداء تكريمية على شرف المشاركين فيها.