أظهرتَ بقيامتك قبرك الفارغ… أطيابك وعطورك وأدهانك أثمن من كل كنوز العالم الفاني، نسكبها عندك في رجاء، بعد أن غيرت مستودع الظلام والموت وجعلته مصدر النور والخلود والحياة، حولت النوح والبكاء إلى فرح وعزاء وتقديس، بعد أن أشرق الغفران من قبرك أيها المخلص، وبعد أن رفعت الأحجار والأكفان والأختام وكسرت شوكة الموت.
قيامتك جمعتْ التلاميذ وغيّرتهم ووحَّدتهم وجدَّدتهم، وحوّلت عارهم وخزيهم وفضيحتهم وإنكارهم وشكّهم ومَهْزَأتهم إلى فخر وكرامة وقوة، بعد أن رأوك ولمسوك ببراهين حية كثيرة وبعلامات لا تُقاوَم… تيقنوا من القبر الفارغ والأحجار والأختام والأكفان والظهورات وأحاديث قيامتك، وقد رأوا قيام كثير من أجساد القديسين الراقدين وخروجهم من القبور بعد قيامتك ودخولهم المدينة المقدسة وظهورهم لكثيرين… فبالموت دُستَ الموت وأنعمت بالحياة الأبدية للذين في القبور.
قيامتك في البستان وضعتْ نهاية لعُري آدم الأول بالخطية وخروجه وانفصاله… بقيامتك رددتنا مرة أخرى إلى بستان الفردوس الذي كنا قد نُفينا منه، وسنلبَس صورة السماوي وتُجلسنا معك في السماويات، مُلقين رجاءنا عليك يا الله الحي يا مخلص جميع الناس، يا من لنا بك الجراءة والقدوم إلى الله الآب بحسب خلاصك ودعوتك لنا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة المعطاة لنا قبل الأزمنة الأزلية.
قيامتك قوة وغنى وبركة وبراءة ومِلء، قمت لأجل تبريرنا، وببراهين قيامتك وظهوراتك أبطلت الخرافات المصطنعة ونوافل العبادة لتُدخلنا إلى ما هو باقٍ في السموات ناقضًا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسِك بك؛ لأنك أنت القيامة والحياة… كنت ميتًا وها أنت حيٌ إلى أبد الآبدين، سبيتَ سبيًا وأعطيت الناس عطايا، قطعت حبال الموت وحللت قيوده وصرت بكرًا من الأموات وجعلت أجساد المؤمنين بك تسكن على الرجاء… رجاء القيامة يا من لا تترك نفوسنا في الهاوية ولا تدَع أتقياءك يروا فسادًا… فبقيامتك انكسر الفخ ونجت نفوسنا كعصفور في يد القدير، فلا الجسد يرى فسادًا في القبر ولا النفس تذوق مرارة الحبس في الهاوية، قيامتك عرَّفتنا سبل الحياة وجمالها وقيمتها ومسرّاتها؛ لأنها أمام وجهك وفي وجود حضرتك، وستملأنا سرورًا مع وجهك.
قيامتك وثَّقت شركتنا بذبيحتك لأنها عتقتنا من ناموس الخطية والموت، وجعلت الخطية تضمحل من أعضائنا بنعمتك، عندما نقوم ونجاهد ونتوب لنظهر أمام كرسيك في اليوم الذي فيه ستدين سرائر الناس… وبرحمتك وتدبيرخلاصك نجاهد قانونيًا، مبتعدين عن الاستهتار والذنوب المحسوبة والمكتوبة كصَكّ ديْن علينا والتي هي ضدٌ لنا، فلا نكون فيما بعد عبيدًا للخطية والنجاسة والإثم والشهوات واللذات، ولا نكون فيما بعد مستعبَدين تحت أركان العالم وسلطان إبليس.
بقيامتك اخْضَرَّت خشبة صليبك الكريم وأخرجت أوراقًا وعناقيد عنب وصارت شجرة حياة حية تعيش فينا… عندما مَدّ صليبك جذوره في تربة الإنسان العقيمة الحزينة وحولت لآلامه وفساده إلى عصارة حياة… أورقت وأخرجت ثمار الفرح والبهجة وخلاص القيامة، فصرنا أعضاء في كرمة حقيقية مصلوبة ومُقامَة، دمها يتحول فينا إلى ينابيع قيامة وحياة.
حضرة قيامتك المجيدة الكلية هي مالئة للزمان والمكان والكيان، غير محدودة… أبادت الخطية والخطاة والعالم الشرير ورئيسه… فسحابة مجد دمك وقيامتك ابتلعت الخطية والفساد ولاشتهما… دمك الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب هو الذي يطهر ضمائرنا من أعمال ميتة لنخدمك يا الله الحي… لا شك أن روح الأزلي لا يُقارَن بالعمل الميت، دمك يا رئيس الحياة نتبرر به مجانًا بنعمة الفداء التي صارت لنا بك، وبالإيمان بدمك نخلص من الغضب ونصير قريبين ونبارك كأس بركة مسيحك في شركة دم الحمل القائم كأنه مذبوح.
قيامتك كملت النبوات وحققت الرموز والظِلال والحروف… لنعيِّدها لا بخميرة عتيقة ولا بخميرة شر وخبث بل بفطير الخلاص، قيامتك هي أساس إيماننا وكرازتنا؛ وهي عيد سماوي دائم؛ ذبح الشيطان وهدم مملكة إبليس وكسر متاريس النحاس وإبطال اللعنة والفساد وهزم عدونا الأخير الموت.. فعيد قيامتك أحيانا وأقامنا وأنار علينا وأيقظ نسمتنا كما أنار على الذين هم في الجحيم السفلي.
مَنْ هو كفؤ لهذه الأمور فليُوفِ نذوره؛ ويحيا دعوته التي دعاها له رَبُّ الفصح والقيامة، وليتمسك بإقرار الإيمان وثمار الأعمال، ويتمنطق سرورًا مع كل خائفي الرب.