غالبًا ما تتردّد هذه الجملة في إنجيل متى ، بدرجة تنتهي بنا إلى التساؤل إذا ما كان كلّ شيء مبرمجـا مسبقا ،وإذا كان يسوع بالتالي حرّ ! وإنّ ” إتمام الكتب ” ذاك الذي طالما انتظروه ، كيف يمكن أن نفهم ذلك ؟
الله يتمّ عمله
حين يتخيّل نحّات عمله المقبل ، يراه وكأنه قد أنجز . ولكن كم سينبغي من ضربات الازميل ، مع كثير من الصبر والتعب ، بإنتظار اليوم الذي يمكن فيه لهذا العمل أن يصبح موضوع إعجاب . ويشبه التاريخ البشريّ عمل الفنان الذي يستغرقُ طويلا : فلله مشروع هو ” قيد التحقيق ” ، ” قيد الإتمام ” هذا يعني أنّ للتاريخ هذا معنى : أي أنّ له ، في آن واحد ، وجهة وتفسيرًا . ومشروع الله هذا يتمّ في تاريخ البشر ، إنطلاقا من تاريخ إسرائيل . وكان الإسرائيليّون يعجبونَ من أمانة الله الذي لا يتخلّى أبدًا عن عمله ، ويفي دومًا بوعوده ؛ ” فتمّ ما تكلّم به الربّ بفم إرميا ” (2 أخ 36 : 21 ؛ عز 1 : 1 ) .
مشروع الله وحريّة الإنسان
يبحث الله عن شركاء لتحقيق مشروعه ، إلا أنه يحترم حريّة الإنسان . وكان من إكتشافات إسرائيل الكبرى ، أنّ الله لا يمسك بكلّ الخيوط : فالإنسان مسؤول عن التاريخ . وليس هناك سيناريو محبوكٌ قد كُتبَ مسبقا (كأن كلّ شيء كان قدرًا ! ) وهذا ما لا تؤمن به المسيحيّة أبدًا . وما العهد المعروض على اسرائيل ، سوى دعوى إلى ” الشركة ” من أجل خدمة سائر الشعوب . ويتوقّف تقدّم مشروع الله على أمانة إسرائيل لهذه الدعوة الفريدة . وإذا كان الله لم يتخلّ قطّ عن هذا الإختيار ، فمعنى ذلك أنّ إسرائيل يبقى الشعب المختار (وهذه العبارة تدغدغ الكثيرين !) . وبالفعل ، سيبلغ العهد إلى إكتماله من خلال ابن لإسرائيل ، هو يسوع .
العهد الجديد يفسّر هذا الإكتمال
هناك بديهيّة تجلّت لدى المسيحيّين الأوّلين ، شهود قيامة يسوع ، مفادها أنه هو الذي حقّق مواعيد الله . ومنذئذ راحوا يعيدون ، دونَ ملل ، قراءة الأسفار المقدسة ، ويكتشفون فيها كيف أنّ العهد الجديد بيسوع – المسيح ، إنّما هو ملء العهد الأوّل وإكتماله . ولقد طاب للإنجيليّين ، كلّ بطريقته ، ومتى بنوع ٍ خاصّ ، أن يشدّد على التوافق بين أقوال المسيح وحركاته وبين الإعلانات النبويّة ومواعيد الله .
” كان يـــجب …. “! هذه العبارة لا تعني أنّ ذلك كان مكتوبًا أو مبرمجًا ، وإنّما كونع في خطّ عمل الله . في الحقيقة ، حتى وإن بحثنا جيّدا ، لن نجد ذلك مكتوبًا في أيّ مكان في الكتاب المقدّس . فليس المقصود إتمامـــــا حرفيّا ، وكأن كلّ شيء قد كُتب مسبقا . ولكن ، لكي تعرف الإنسانيّة بالتالي إلهها وتتمكّن من العيش في عهد معه ، كان ينبغي لإلهنا أن يكشفَ عن ذاته كما هو حقا ، وليس كما نتخيّله . وكان بوسع الابن وحده ، وهو صورة الآب الكاملة ؛ أن يجعلنا نتأمّله : ” من رآني فقد رأى الآب ” (يو 14 : 9) .
“لكي يتمّ الكتاب … أو تتمّ الكتب … ” ، أي لكي تصل إلى ” ملء المعنى بيسوع ” . تصل إلى غايتها وجوهرها وكمالها . فعلى الصليب ، كرّس يسوع ، في شخصه ، الكتب بأقسامها التشريعيّة والنبويّة والحِكميّة وأوصلها إلى كمال غايتها . (فلقد قالها يسوع ربنا ” جِئتُ لأكمّل لا لأنقضْ ” . فتحقّقت كلمة يسوع في حدث الصليبْ ، في موته . لهذا ، توحّدت الكلمة مع الحدث العظيم . فالله لا يكذب علينا .
Zenit