«الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الأنطاكيّة، تفتخر بأنّها أمّ الكنائس، ونالت من الربّ ورُسله القدّيسين إيمانها وعقيدتها مُباشرةً لتنشرها في أقطار المسكونة ولا سيّما في بلاد الشرق. وهي دُعيَت فخر الكنائس المسيحية ونور النصرانية وحبيبة المسيح». هذه كانت رسالة مار ثاوفيلوس جورج صليبا، كاتب «كرسي أنطاكية الرسولي»، في زيارته الأخيرة إلى الهند.
بدعوة من غبطة مفريان الهند مار باسيليوس توماس الأول، المتضمّنة رغبته في ذهاب مطران جبل لبنان وطرابلس والأمين العام للمجمع الأنطاكي المقدّس مار ثاوفيلوس جورج صليبا، كاتب «كرسي أنطاكية الرسولي»، إلى الهند، للاحتفال بتاريخ 22/2/2014 بعيد تأسيس مار بطرس الرسول كرسيّه الرسولي في أنطاكية، قَبِل الدعوة شاكراً ولبّاها. وفي مسلسل النشاطات لهذه الزيارة، ألقى محاضرات كثيرة في أماكن متنوّعة من الكنائس والمدارس والجامعات والمؤسسات السريانية في الهند.
وكانت كلّ الأحاديث عن الكرسيّ الأنطاكي منذ تأسيسه وحتى هذه الأيام حيث ارتاحت الكنيسة بإكليروسها ومؤمنيها والعاملين فيها يسمعون ويرتاحون إلى هذه المحاضرات التي عبّروا فيها عن محبّتهم للكرسيّ الأنطاكي والتزامهم عقيدة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وازدادوا معرفةً وتمسّكاً أكثر فأكثر، متمسّكين بهذه العقيدة والتقليد المسلّم إلينا جميعاً من الرسل الأطهار وتلاميذهم وخلفائهم.
ولمّا رأى المطران إقبال المؤمنين واهتمامهم بمعرفة صفحات الكتاب المشرقة من تاريخ أنطاكية ورسالتها في العالم وهم مهيمون حباً بأنطاكية ورئاستها وبطريركيتها ورسوليتها ولغتها السريانية المقدّسة، عزم وقرّر جمع كل المعلومات التي حاضر عنها ولقّنها للإكليروس والمؤمنين في هذه الزيارة.
وعند عودته إلى لبنان، جمع هذه المعلومات وسواها من المصادر الموثوق بها في التاريخ والتقليد الكنسي لتكون زوّادة ومعينة لكلّ مَن يتوخّى ويطلب هذه المعرفة، بل إنّ إنطاكية تستحقّ الاحترام والتقدير والمحبّة الكاملة في سجلّها الحافل بالأمجاد والبطولات والشهداء والقدّيسين والملافنة الكبار، إذ زيّنها بطاركتها الأصفياء بهذا الإرث الباقي على الأجيال شاهداً ومعبّراً عن عظمة الكرسي الرسولي الأنطاكي بتاريخه الطويل والمعاصر.
أهدى المطران صليبا الكتاب إلى مجدّد نهضة الكنيسة السريانية في القرنين العشرين والحادي والعشرين، إلى باعث مجد الرهبنة للبتولين والعذارى، إلى مَن أفنى حياته في الخدمة الرسوليّة لرفع شأن الكنيسة فضيلةً وعلماً ومشاريع، قداسة مار إغناطيوس زكّا الأوّل عيواص، حبيب المسيح والمُجاهد الأمين والراعي الصالح.
وقد ذكره في مقدّمته عندما، سأل: «مَن يستطيع أن ينسى مار إغناطيوس زكّا الأول عيواص الذي زار الهند مرّات كثيرة، والذي عزّز العلاقات بين الكرسي الرسولي الأنطاكي وكنيستنا المقدّسة في الهند ورقد بالرّب هذا العام 2014؟».
قُسّم كتاب «كرسيّ أنطاكية الرسولي» 18 قسماً، سَبقها الإهداء بالسريانيّة والعربيّة ثمّ المقدّمة باللغتين أيضاً. بعدها بدأ الكاتب بسرد قصّة تأسيس الكرسي واللغة السريانيّة، المجامع الرسوليّة في أورشليم، هامة الرسل القدّيس مار بطرس الرسول ومجمع نيقية المسكوني.
ثمّ حدّد الأبرشية الأنطاكية وميّزاتها، وعدّد مبشّري الأبرشية الأولين ليتكلّم في ما بعد عن الكنيسة في الهند ودخول المسيحيّة إلى بلاد ما بين النهرين فتتالت الموضوعات ليصل في القسم الأخير إلى وضع جدول بأسماء بطاركة الكرسي الرسولي الأنطاكي. وحدّد المطران أنطاكية قائلاً: «هي إحدى مُدن العالم القديم، جدّد بناءها سلوقوس قائد الإسكندر الكبير، وعظم شأنها فاستوطنها أيّام عزّها زهاء سبعمئة ألف نسمة وسمّيت عاصمة الشرق.
بشّر فيها بالنصرانية القدّيسون برنابا وبولس ومار بطرس زعيم الرسل الذي فيها أسّس كرسيه الأول، وفيها ابتكر اسم المسيحيّين الشريف، وزيّنتها الصروح والمسارح والهياكل والكنائس والأديار، وتاريخها ملآن بالأحداث عمراناً وازدهاراً وانحطاطاً. وقد أسرف الدهر في تصغير شأنها فأمست اليوم بلدة وسطى».
ودعى المطران صليبا في مُقدّمته «المؤمنين مِن كلّ الطبقات والاختصاصات تأمُّل التاريخ الغني والعميق بفضائل القدّيسين ودماء الشهداء والنسّاك، فيفخرون ويعتزّون بالذين سَجّلوا لهم هذه المآثر والصفحات المشرقة من تاريخ المسيحيّة عموماً، والسريانية خصوصاً، والمدنية المليئة دروساً وعبراً وقدوة صالحة لجميع الناس».
وفي الختام شكر المطران كلّ من ساهم في إصدار كتابه فقال: «مِن أعماق قلبي، أكرّر الشكر للعناية الإلهية ولغبطة المفريان مار باسيليوس توماس
الأول ومجمعه المقدّس وإكليروسه والعاملين في حقل الكنيسة في الهند معتزّاً بالجميع.
وأشكر خصوصاً الابن الروحي الربّان الفاضل جوزف إيلي بالي، أحَد رهبان دير مار افرام السرياني والإكليريكية في معرّة صيدنايا مصلّياً من أجل صحّته وتوقيفه، وأشكره لأنه ترجم هذا الكتاب إلى اللغة الإنكليزية وهو مطبوع مع هذا النص العربي، سائلاً الله إبعاد التجارب من صفوف الكنيسة وأبنائها لتشهد للّذي قال: «أتيت ليكون لهم حياة ويكون لهم أفضل». (يو 10: 10).
بقلم ميريام سلامة / الجمهورية