لولا كلمة السيناتور الاميركي الجمهوري المحافظ تيد كروز، وربطه الدعم للمسيحيين بتأييد اسرائيل واليهود واشعاله موجة غضب ورفض واحتجاج، لكان النجاح هو عنوان اليوم الثاني لمؤتمر “الدفاع عن المسيحيين”، الذي بدأ في الكونغرس الاميركي وانتهى بتحديد الموعد لاعضاء القمة في البيت الابيض للقاء مع مستشارة الامن القومي سوزان رايس، وتوقّع مفاجأة بأن تتحوّل المصافحة مع الرئيس الاميركي باراك اوباما لقاء.
في العشاء التضامني الذي كان يحضره نحو الف ومئتي شخصية، كانت مداخلة للسيناتور كروز الذي يعد احد ابرز صقور الكونغرس الاميركي، بدأها “بأننا كلنا موحدون للدفاع عن المسيحيين وكلنا موحدون للدفاع عن اليهود، وكل الشعوب ذات الايمان الصالح”.
ووصف “التعصٰب الديني الأعمى” بـ”مرض السرطان بمظاهر مختلفة”، وقال: “إن داعش و”القاعدة” و”حزب الله” و”حماس” والدولتين الراعيتين سوريا وايران، كلها منضوية في حملة ابادة جماعية لتدمير الأقليات في الشرق الاوسط”.
وهنا علت أصوات محتجة، ومع ذلك تشبّث كروز برأيه الذي كان مرتجلاً، وقال “ان ليس للمسيحيين حليف أفضل من اسرائيل ومن يكره اسرائيل يكره أميركا”. واعتبر “ان مَن يتعرض للمسيحيين اليوم بالاضطهاد ونحر الاطفال والتعذيب، هو نفسه من استهدف اليهود بالأمس”.
وأثار هذا الكلام احتجاجاً ادى الى انسحاب سفير لبنان انطوان شديد ووفد “تيار المستقبل” الذي ضم النائبين عاطف مجدلاني وجان اوغاسبيان والنائب السابق غطاس خوري، كما وقف البطريرك غريغوريوس لحام صارخاً بإخراج السيناتور كروز من القاعة وهمّ هو بالخروج… وارتفعت اصوات الاحتجاج التي قالت له: “كفى، توقف، واخرج”، وتدخل رئيس منظمة IDC توفيق بعقليني لدى كروز، كذلك دعا المحتجين الى الهدوء والتزام الاحترام. اما كروز فأكمل كلامه ممتعضاً، وبما يشبه التهديد: “اذا لم تقفوا مع اسرائيل واليهود فأنا لن اقف معكم. تصبحون على خير وبارككم الله”.
غادر كروز، فيما بقي اكثر من عشرة من النواب واعضاء الكونغرس يشاركون في العشاء. وسرعان ما طوّق منظمو المؤتمر الحادث، وعاد البطريرك لحام، وكذلك السفير شديد الذي أوضح انه غادر احتجاجاً وعاد احتراماً، فهو كسفير يمثل الموقف الرسمي للبنان، لا يمكنه القبول بسماع ما قيل، وهو عاد بعدما غادر كروز القاعة لأنه لا يريد التأثير سلباً على نجاح القمة، كما أن عليه أن يكون حاضراً الى جانب البطاركة في خطاباتهم”.
اما وفد “المستقبل”، فقد غادر نهائياً لاحتجاجه على مداخلة كروز، مع تأكيد الحرص على نجاح القمة. وكان مدير مكتب الرئيس سعد الحريري نادر الحريري شارك في حفل الاستقبال لكنه كان غادر قبل بدء العشاء .
وارتجل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي كلمة بالعربية قبل بدئه خطابه الرسمي، وقال”: بلبنان منقول بكل عرس النا قرص”، آسفاً لما حصل “ونغّص الفرحة التي كانت قائمة”. وتحدّث عن ضرورة عدم ترك هذه الحادثة تؤثر سلباً في مؤتمر كانت المفاجأة بأنه جمع ١٢٠٠ مشارك بعدما كانت التوقعات بحضور خمسمئة شخص فقط. واشار الى المحطة الناجحة التي تمت في الكونغرس الاميركي حيث تكلم أكثر من 18 نائباً وشيخاً، وكان هناك حضور قارب الـ 800 شخص، و”الكلمات كلها جاءت ضمن الخط الذي وضعناه”، كما قال. وتمنى على وسائل الاعلام الحاضرة محو كل هذه المحطة،واطفاءها، وعدم اخراجها الى خارج القاعة، داعياً الى “عدم الانزلاق على ما يشبه قشرة الموز”.
وكان المؤتمر بدأ بكلمات، لشخصيات سياسية اميركية داعمة للمؤتمر، وللسفير جيلبير شاغوري، الذي استهل كلمته بالتقديم لتقرير عن اوضاع المسيحيين في العراق وسوريا ومصر، وقال: “سنفعل كل ما يمكننا من اجل خلاص المسيحيين في الشرق وحماية وجودهم فيه، وهذا هدفنا واملنا”.
وشكر IDC على القمة، وقال: “لا يمكن وصف ما فعله توفيق بعقليني وفريقه…”.
وفي ختام العشاء، كانت كلمة لبطريرك السريان اغناطيوس يوسف الثالث يونان اعتبر فيها ان “قلة الكلام مقدّرة، وفق المقولة السريانية “كاريو وحاليو”.
وكان المشاركون في القمة امضوا يوماً طويلاً في الكابيتول هيل حيث كان لقاء مع اعضاء من الحزبين الجمهوري والديموقراطي ومن مجلسي الشيوخ والنواب، تحدث منهم 17 ومن بينهم نائبان فرنسيان هما بوبوني وهنري جبرايل. وركزت كل المداخلات على دعم المسيحيين في الشرق، وضرورة مواجهة تنظيم “داعش” والمنظمات الارهابية. وكان الترقب واضحاً لمضمون كلمة الرئيس الاميركي باراك اوباما في موضوع مكافحة “داعش”. وتحدث الراعي باسم وفد القمة عارضاً معاناة المسيحيين في الشرق وداعياً المجتمع الدولي إلى حمايتهم.
واوضح النائب اللبناني الأصل داريل عيسى ان نظام الرئيس السوري بشار الاسد “لا يعتبر بديلاً من داعش والمنظمات الارهابية لأنه فشل في الحفاظ على الشعب، ورأى “أن الحل ليس لا بالنظام السوري ولا داعش، بل بحكومة تؤمن الحرية والديموقراطية والاستقرار”.
وبعد اللقاء، توزّع اعضاء وفد القمة مجموعات تواصلت كل منها مع النواب والشيوخ الاميركيين في مكاتبهم. وكانت لوفد “المستقبل” لقاءات بدأها حتى قبل انتهاء اللقاء الموسّع في الكونغرس.
واشنطن – هدى شديد
النهار