بالتأكيد لا أريد أن أجنح إلى لعبة الرثاء، مثلما لا أرغب في الذهاب إلى لعبة أخرى، ألا وهي الحنين. بهذا المعنى، ليس هدفي الوصول إلى هاتين الحالتين في هذه «الكلمة الأخيرة». هي حقا كلمات أخيرة، تحتضنها «السفير» بعامة و «السفير الثقافي» بخاصة، مثلما احتضنتني واحتضنت كتاباتي منذ ما قبل النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن أصير جزءا من فريقها التحريري، الذي كان شاهدا على الكثير من أحداث البلد والعالم، الثقافية والاجتماعية والسياسية …الخ.
كلمة أخيرة؛ إذ مثلما يعرف الجميع، ستتوقف «السفير» عن الصدور بعد أيام قليلة، حيث عددها الأخير (الرسمي) نهار غد السبت، بينما يصدر نهار الأربعاء المقبل عدد تذكاري، وسيتوقف معها «السفير الثقافي» (الذي يصدر اليوم في عدده الأخير، بعد رحلة طويلة جمع خلالها ـ وفوق مساحته المتنوعة ـ غالبية الكتّاب والمثقفين والفنانين.. العرب، الذين أغنوه والذين جعلوا منه واحة ثقافية حقيقية).
كلمة أخيرة، تحمل رغبة صغيرة فقط: في أن أقول فيها ـ لمن تابع «السفير الثقافي» لسنين ـ إلى اللقاء، وليس الوداع. صحيح أننا لن نلتقي هنا بعد، على هذه المساحة الورقية التي قربتنا من بعضنا لعقود، لكن لنأمل ان تجمعنا الحياة في شوارعها ومقاهيها مرة أخرى، كي نتبادل الذكريات على سبيل المثال، ذكريات حياة مشتركة بمعنى من المعاني.
هي كلمة الذاكرة التي أستعيدها في هذه الأيام الأخيرة. إذ حين أنظر الآن إلى الوراء، حيث أشاهد هذه الحياة التي تنساب، المليئة بالذكريات ـ على الأقل ـ تعود إلى ذهني عبارة الشاعر ديريك والكوت مثلما يقول في كتابه «حياة أخرى»: «يحيا الإنسان نصف حياة، أما النصف الثاني فعبارة عن ذاكرة».
هي بالطبع حياة أخرى، عشناها هنا، مع زملاء وأصدقاء و… قراء، اعتقدنا فيها أن الأدب والثقافة من أجمل الأشياء التي حدثت لنا. هي كذلك بالطبع. من هنا، تبدو الذاكرة الآن، تكملة لهذا الحلم الذي رافقنا في هذه المؤسسة التي اتسع صدرها لكل اختلافاتنا الأدبية والسياسية.. اختلافات قادتنا، في لحظات متنوعة ومتعددة، إلى «خلافات» وإلى «زعل»، لكن أيضا، قادتنا إلى نقاشات ومحاورات ما كانت لتستقيم، لولا هذه الفسحة التي مارسنا فيها كل «نزقنا» و «غضبنا».. وبالتأكيد «محبتنا».
لا أعرف إن كان هو جزء من هذه الحياة، يُطوى اليوم؛ لكن الأكيد أن نهاراتنا ستختلف بدءا من نهاية هذه السنة، على الأقل لأننا سنجد صعوبة في تغيير عاداتنا اليومية، وربما احتجنا إلى وقت طويل كي نتعود على هذه الحياة الجديدة، بدون كتابة يومية، وبدون نقاش يومي، وبدون الكثير من هذه التفاصيل التي سيّرتنا لسنين لا تريد أن تغادرنا.
هي «كلمة» أخيرة… فقط لشكر كلّ من جعل من هذه الأحلام المتعددة، ممكنة. شكرا لكل من قرأ ذات يوم، وشكرا بالطبع لجميع الزملاء الذين أحالوا هذه الحياة… محتملة. وقبل أن أقول إلى اللقاء، هنا كلمات من زملاء وأصدقاء كتّاب، أحبوا أن يوجهوا تحية للمكان الذي احتضنهم، في هذا العدد الأخير. مع العلم أن اللوحات المنشورة، هنا، هي جزء من تحيات كان فنانون رسموها خصيصا للسفير في مناسبات عدة.
اسكندر حبش
الوسوم :كلمة أخيرة