تلا البابا فرنسيس كعادته صلاة التبشير الملائكي مع وفود الحجاج والمؤمنين المحتشدين في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان. توقف البابا في كلمته عند الفصل الخامس عشر من إنجيل القديس لوقا الذي يتناول ثلاثة أمثال تتعلق بالرحمة: مثل الخروف الضال، والدرهم المفقود ثم الابن الضال أو بالأحرى الأب الرحوم. وتابع البابا يقول في خضم مسيرة الصوم هذه يقدم لنا إنجيل هذا الأحد هذا المثل الأخير الذي يتحدث عن أب وابنيه. وتميط الرواية اللثام عن بعض التفاصيل المتعلقة بهذا الأب: إنه رجل مستعد دوما للغفران ولا يفقد الرجاء. ويؤثر بالقارئ التسامح الذي يكنه هذا الأب إزاء قرار ابنه الأصغر الذي أراد أن يترك البيت ويرحل، إذ كان الأب قادرا على الوقوف في وجه هذا القرار!
أكد البابا فرنسيس أن الله يتصرف معنا على هذا النحو. إنه يترك لنا حريتنا، حتى إذا اخطأنا لأنه عندما خلقنا وهبنا عطية الحرية الكبيرة ويتعين علينا نحن أن نُحسن استخدامها. ولفت البابا إلى أن انفصال هذا الابن عن أبيه هو انفصال جسدي وحسب لأن الأب حافظ على ابنه في قلبه، وانتظر عودته بثقة، وفي يوم من الأيام رآه قادما من بعيد. فتأثر الأب وذهب لملاقاة ابنه، وعانقه وقبّله. والموقف نفسه يتخذه الأب حيال ابنه البكر، الذي بقي دوما في البيت، وها هو يحتج اليوم لأنه لم يفهم ولم يتقاسم كل هذه الطيبة حيال أخيه الذي أخطأ. فخرج الأب لملاقاة هذا الابن وذكّره بأن كل ما لديهما هو مشترك لكن لا بد أن نقبل بفرح هذا الابن الذي عاد إلى بيته. ولفت البابا إلى ضرورة أن يعود الخاطئ إلى الله مؤكدا أنه لا بد أن يشعر الشخص بأنه خاطئ لأن شعور الخاطئ بأنه بار ليس إلا غرورا وهذا ما يتأتى من إبليس.
هذا ثم تحدث البابا عن وجود ابن ثالث خفيّ في هذا المثل إنه الابن الذي “لم يَعْتَدَّ مساواتَهُ للهِ حالةً مُختَلَسَة؛ بل لاشى ذاتَهُ، آخذًا صورَة عَبْدٍ” (فيليبي 2، 6-7). إن هذا الابن العبد أو الخادم ليس إلا امتدادا لذراعي الآب وقلبه. لقد قبل هذا الابن الضال وأقدم على غسل قدميه الوسختين، وأعد وليمة عيد الغفران. إنه يسوع الذي يعلمنا أن نكون رحماء كالآب. وأكد البابا فرنسيس في هذا السياق أن صورة الآب في هذا المثل تكشف عن قلب الله، إنه الآب الرحوم الذي يحبنا من خلال يسوع إلى أقصى حد، وينتظر دائما ارتدادنا في كل مرة نخطئ فيها! ينتظر منا أن نعود إليه عندما نبتعد عنه وينتظرنا فاتحا ذراعيه. ولفت البابا إلى أننا مدعوون في زمن الصوم هذا إلى تكثيف مسيرة التوبة الداخلية والعودة إلى الله من صميم القلب.
في أعقاب تلاوة صلاة التبشير الملائكي وقبل أن يوجه تحياته إلى وفود الحجاج والمؤمنين القادمين من إيطاليا وأنحاء العالم كافة توقف البابا مرة جديدة عند المجزرة التي قضت فيها الراهبات الأربع في مدينة عدن اليمنية. وعبّر عن قربه من راهبات مراسلات المحبة مؤكدا أنه يصلي من أجل الراهبات وباقي الضحايا وعائلاتهم، واصفا الراهبات الأربع بشهيدات المحبة. واعتبر في هذا السياق أن تلك الراهبات ذرفن دماءهن من أجل الكنيسة، إنهن ضحية الاعتداء وأيضا ضحية عولمة اللامبالاة. وأشاد البابا بعدها بمبادرة الممرات الإنسانية لصالح اللاجئين التي أطلقت مؤخرا في إيطاليا وتشارك فيها جماعة سانت إيجيديو بالتعاون مع اتحاد الكنائس الإنجيلية الإيطالية والكنائس الفالدية والميتودية.
إذاعة الفاتيكان