أيها الأب الأقدس،
إنه لفرحٌ عظيم أن نَلقَى في شخصِكم الكريم، شخصَ السيد المسيح، حاضِراً بيننا، نحنُ أبناء ونسل الجماعة المسيحيةِ الأولى، التي كانت مجتمعةً يوم العنصرة، مع غيرِها من المؤمنين الحاضرينَ في أورشليم، القادمينَ من بِقاعٍ مختلفة والمؤلَّفينَ من أجناسٍ عِدّة، كما وردَ في سفرِ أعمال الرُسل (1:2-11).
إن الأردنَّ الذي يحتفلُ اليوم، بفخرٍ واعتزاز، بعيدِ استقلالِه الثامنِ والستين، وحكومَتَه وشعبَه، بقيادتِه الرشيدة، مُمثَّلَةً بصاحبِ الجلالةِ الملك عبد الله الثاني بنِ الحسين، إضافة إلى مؤسَّساتِه التربَوِّية والتعليمية والمجتمعية، يرحِّبُ بقداسَتكم، أنتم الذين جئتم لتثبِّتوا إيمانَ إخوتكم: رعاةً ومؤمِنين. هنا في الأردن، يعيش المسيحيون والمسلمون بانسجام وتآلف ووِئام.
يا صاحب القداسة، سوف تَلمسونَ خلال زيارتكم، الصعوبات العديدة التي تواجِهُها كنيسةُ القدس. يُمثِّلُ الأردنُّ الجزءَ الأكبر من هذهِ الأبرشية: فالعائلاتُ والمؤسساتُ والكهنة والإكليريكيون هم الأكبرُ عدداً، وسطَ تحدياتٍ عديدة لا تنتهي.
لقد عَرَفَت الأرضُ المقدسة، وما زالت، كثيراً من الانقسامات. إنَّ الكنيسة الكاثوليكيةَ المحلية، وعلى وجهِ الخصوص: البطريركية اللاتينية الأورشليمية، تبذل قُصارى جهدها لتحقيق الوحدة في داخلها أولا، وبين الكنائس والمؤمنينَ ثانياً. نحن وإن كنا نُشكِّلُ كنيسةً صغيرة، إلا أننا كنيسةٌ فعّالة وفاعلة: تُصغي، وترافق، وتعمل بإمكانياتِها المتواضعة والمحدودة، لأننا فعلاً “في حالة ارتداد دائمة”. (فرح الإنجيل، 25)
عظيمٌ كان إيمانُ شفيعِ الأردن، القديسِ يوحنا المعمدان، الذي أُستشهِدَ على مسافةِ بضعةِ كيلومترات من هنا. إنه إيمان وطيدٌ وصَلب، أَمدَّهُ بالشجاعةِ ليشيرَ بإصبعه، ويقولَ إلى كبارِ القومِ في هذا العالم: أن “لا يحقُّ لهم” القيامَ بهذا العملِ أو ذاك، أو إصدارَ هذا القانونِ المجحف أو ذاكَ.
إن الأردن، كما هو حال كنيستِهِ، بلدٌ صغير، ذو نطاقٍ جغرافي محدود، وتعدادٌ سكانيٌّ قليل، فقيرٌ من حيثِ الموارد، وفقرُه ليسَ بالأمر الجديد، بل هو موجودٌ أصلاً منذ أيام بولسَ الرسول. ولكنّ هذا البلد، كما هي كنيستُه، غنيٌّ بمواطنيهِ الأبطالِ النشامى، مليءٌ بالحسِّ الطيب والذوقِ الرفيع، عامرٌ بالدعوات الكهنوتية والرهبانية، ومثالٌ حيٌّ للجميع في حُسنِ ضيافتِه ويداهِ المفتوحتين دوماً ترحيباً بالنزلاءِ، والمظلومين واللاجئين وطالبي العمل، ومن ضاقت بهم الدنيا.
وسوياً، مع راهبات الوردية، الرهبانية المحلية الوحيدة، اللواتي يعملنَ من أجل التربية والتعليم في الوطن العربي بأسره، نرجو ونتضرع، أن يعلن صاحب القداسة قريباً، تقديس المُؤسِّسَة: القديسة ماري الفونسين غطاس.
إن الكنيسة في الأردن، مع جميعِ أبنائها: أردنيين، وفلسطينيين، وسوريين، ولاجئين عرب من شتّى بلدان الشرق الأوسط ومن آسيا، يرون في شخصكم الكريم شخصَ الأب الذي يحب ويُصغي، أب يشاركنا صعوباتِنا، بما في ذلك ألمَ الهجرة إلى العالم العربي أو إلى أميركا الشمالية. فما مِن أسرة إلا وأحدُ أبنائها في المَهجر. إن هجرة الشباب الأفضل إعداداً والأكثر إختصاصاً وتهيئةً، لهو استنزافٌ بشريّ حقيقي.
أمامَكم يا صاحبَ القداسة، عددٌ من مؤمِنينا؛ أطفالٌ صغارٌ برفقةِ الأهالي، يملؤهم الفرح في قبولِ مناوَلَتِهم الأولى من يدكم الطاهرة مع بركَتِكم الرسولية.
من خلال شخصكم وصَوتِكم ومواقِفكم المشرّفة، نرى يوحنا المعمدان، شفيعَ الأردن القديس. فأنتَ الآن يا صاحبَ القداسة: “معمدانَ عصرِنا هذا”؛ الذي يُعِدُّ ويهيئُّ طريقَ المخلص؛ ويدعو إلى ارتداد القلب، ويرفع الصوتَ عالياً في وجه الظلم وكافةِ أشكالِ العنف.
أيُّها الأبُ الأقدس،
نحن بحاجة ماسة إلى صوتك الهادئ، والقوي، والشجاع. شكراً لكونِكم هذا الصوت الذي يدافع عن الفقراء والمظلومين. معكم نرفعُ الصلاة والابتهال من أجلِ السلامِ في الأردنِّ والشرقِ الأوسط، ومن أجل شخصكم المحبوب.
عن أبونا