قالها يوحنا الذهبي الفم، وتقولها الآن قلوب المؤمنين في سوريا والعالموأفئدة كل ذوي النيات الطيبة في هذه الدنيا.
اليوم فصحٌ جديدٌ في كنيستنا الأنطاكية. هو فصح من نوعٍ آخر. فصحٌ وافانا في أول أسبوعٍ من الصيام الأربعيني. هو فصحُ فرحٍ وباكورة فصحٍ قيامي لنا جميعاً ولبلادنا الغالية سوريا. هو فصحٌ غافلَنا، وما أحلاها من غفلةٍ، غافلنا وحناجرنا وقلوبنا ترتل “معنا هو الله، فاعلموا أيها الأمم وانهزموا لأن الله معنا”. اليوم عبَرت أخواتنا في دير مار تقلا إلى ضفة الحرية والطمأنينة، ومعهن عبرت قلوبنا دجى ليلٍ بارد، عبرَتْه بقوة الرجاء بالله تعالى وبصلوات وجهود المحبين.
الراهبات هن صوت سلامنا. هن شمعة صلاةٍ تذوب تضرعاً أمام الرب لكي تحفظ سوريا وشعب سوريا. وما أجمل أن تلتقي صلواتنا وصلواتهن في كنيسة الصليب المقدس لتطلب السلام لسوريا والمشرق والعالم أجمع.
الشكر بادئ ذي بدء لله تعالى، الشكر له لأنه علمنا أن قوته في الضعف تكمن، ولأنه علّمنا أن ندق مسمار الرجاء في جسد واقعنا لنرى محياه الإلهي مهما قسى وجه الأزمنة، ولنتلمسَ عزاءه رغم صعوبة الأيام.
الشكر لسوريا، قيادةً وشعباً وجيشاً،والتي رسمت وترسم اليوم، في يوم تحرير أخواتنا، صورةً صادقة عن عيشٍ واحدٍ، ووحدة حالٍ تنبذ كل عنف وإرهاب وتكفير وخطف. سوريا التي نعرف، هي التي تتشابك فيها مآذن المساجد وأجراس الكنائس مرضاةً لساكن السماء.
الشكر أيضاً للبنان ولأجهزته الأمنية للدور الذي لعبوه فيتفعيل جهود الوساطة. والشكر أيضاً لكل ذوي النيات الحسنة الذين تعبوا كي تعود أخواتنا إلى الأحضان الكنسية.
وأما لأخوينا المطرانين يوحنا وبولس، وللكهنة ولسائر المخطوفين فنقول. إن كنيسة الصليب المقدس في دمشق كما رعيتكما في حلب تتوقان لوطئ أقدامكما. وقلوبنا ومسامعنا تاقت وتتوق لملاقاتكم في عرسٍ وطنيٍ كالذي نعيشه اليوم. صلاتنا اليوم أن نراكم بيننا. ودعوتنا اليوم نقولها للعالم أجمع، أوقفوا المأساة في سوريا. كفى اقتتالاً وخطفاً ومتاجرةً بإنسان هذه الديار. لقد سئمنا لغة التنديد والشجبمن الآخرين تجاه ما يجري في بلادنا. فمن حقنا في سوريا أن نتوق لأمانٍ عرفناه.
المجد لله على كل شيء. المجد له لأنه أعطانا أن نرى بيننا أخواتنا الراهبات وأن نعانقهن بدموع الفرح. المجد له لأنه علمنا أن الرجاء به لا يخيب وأن قساوة الأزمنة تنمحق أمام محياه القدوس. المجد لله الذي جمعنا مسلمين ومسيحيين في هذه الكنيسة كيما ترتل قلوبنا قبل شفاهنا: “معنا هو الله فاسمعوا إلى أقاصي الأرض، لأن الله معنا”.
المجد له لأنه علمنا أننا مدعوون أن نُجبل بالرجاء، وأن الرجاء به يستحيل يقيناً عندما تنمحق القلوب في الصلاة. المجد له لأنه علمنا أن قوة العاصف لا يمكنها أن تقتلع سنابل القمح، ونحن في المشرق سنابل قمحٍ تنمحق أمامها الأعاصير.
قد نخسر ديراً وقد نُعدمُ كنيسةً. إلا أن كلمة الله القدوس قد غرسَتنا في أديم هذه الأرض وفيها سنقرع أجراس كنائسنا ونبني أديار محبتنا لكل الناس. وفيه سنتذكر دوماً أن شظف الأيام وغبار التجربة لن يحجب شرارة الروح في قلبنا.
أعطنا يارب أن نتم مسيرة قيامتنا بعودة المخطوفين؛ أعطنا أيها السيد العلي أن نحيا في الرجاء بقوتك وأن نحظى دوماً بعزائك الإلهي.
قوّنا لنضع عزاءك الإلهي في قلوب من ينتظرون أحبتهم المخطوفين ومنهم أخوانا المطرانان يوحنا وبولس والآباء الكهنة.
هب لنا بشفاعة مار تقلا وصلوات راهباتها أن ننعم بنور سلامك في المشرق وفي سورياوفي كل بقاع الأرض.
كن معنا يا الله، وادرأ عن سوريا وشعب سورياوباركنا جميعاً وامسح قلوبنا ببهجة الطمأنينة.
كن يا رب مع الحزانى وامسح دموع من اكتوى بنار الخطف الآثم.
كن مع اليتامى وامسح بنسمة عزائك الرباني قلوب أمهاتنا واكتنف راقدينا بنور قيامتك المجيدة.
كن معنا يارب لأننا لا نعرف إلاك معيناً في الشدائد وفرحاً تذوب فيه كل أفراح الدنيا وعزاءً يزرع في القلوب بهجةً تلو بهجةً.