الصوت المسكوب في حنجرتها لا ينتمي إلى خامة محدّدة ولا إلى أعراف تؤكّد هويّتها الغنائية. رنين الشعّار حظيت من الطبيعة بأوتار هي كقوس القزح حين تطل بعد مطر، تكشح الغمام عن القلوب وتفرحها. صوت رنين الشعّار تأشيرتها للسفر إلى حيث للنغم أصول أكاديميّة، وماض ترسّخ في ذاكرة حنجرتها، تنعشه وتحييه كملهمة، آتية من أزمنة بعيدة لتعيد اللحمة بين ما كان والآني.
من أدب الأمثال المعروف في الهند بـ”البانتشاتانترا” ولد ديوان “كليلة ودمنة” لمؤلّفها باللغة السنسكريتيّة، فيشو شارما، الذي استوحى من التقاليد الشعبية والعادات ليكتب بلغة الحيوانات آيته الخالدة. ومن الهند عبرت إلى بلاد فارس، إلى ان ترجمها في القرن الثامن، إبن المقفّع إلى اللغة العربية، فعمت العالم أسوة بـ”ألف ليلة وليلة”، مترجمة إلى جميع اللغات. فما كتب بالشعر ليكون ديواناً يتثقّف بأمثاله أمراء ذاك الزمن، صار في العالم مرجعاً. فمنه كما من إزوب اليوناني، استوحى لافونتين أمثاله حيث الحيوانات تحكي باللغة الفرنسيّة.
“كليلة ودمنة” قطعت الأزمنة لتصل إلى هذا الزمن الحديث عملاً أوبرالياً “فرانكو- عربياً” بإنتاج مهرجاني عالمي للمؤلّف الموسيقي البلجيكي برنار فوكرول. الغرب يميل إلى الفنون ذات المذاق الأكزوتي، الملفوح بهواء الشرق وغموضه، فالعمل المتكامل موسيقى وغناء وعزفاً وإخراجاً، على قاعدة من فلسفة الأدب الهندي ورؤاه، جعل روّاد إيكس أن بروفانس، يتهافتون على هذه البدعة النادرة من الفن الليريكي.
رنين الشعّار روت تجربتها الناجحة لـ”النهار”: “هو أوّل إنتاج أوبرالي يجمع لغتين فرنسيّة وعربيّة في عمل واحد. برنار فوكرول المنتج يعتبر من أهم عازفي باخ على الأورغ. فبين آيات الأوبرا العالميّة المرصودة لمهرجان إيكس، كانت كليلة ودمنة الوحيدة الاتية من الشرق الأوسط”.
■ كيف تقسّمت المشاهد بين اللغتين؟
– النص العربي كتبه فادي جومر للقسم العربي من البرنامج، والإلقاء الفرنسي كان لي في دور كليلة. كنت على المسرح في المشاهد الأربعة والعشرين من الأوبرا. واقفة على نقطة فاصلة بين الماضي والحاضر، ولا أنتمي إلى زمان أو مكان. فكليلة الخجولة، تحمل صوت الحق، لذا تغدو عدوّة شقيقها، المعادي للحريّة والحق. هي الحكمة العادلة بين شقيقها دمنة المنتفض على الشاعر الثائر المطالب بالعدالة والحريّة، يريد قتله.
■ هل الألحان من تأليف شرقي أم غربي؟
– منعم عدوان مؤلّف موسيقي فلسطيني باهر، وضع الموسيقى للقسمين الفرنسي والعربي ويقوم في الوقت نفسه بدور دمنة. أما التوزيع الأوركسترالي وقيادة الأوركسترا فللشاب التونسي زياد زويري. العازفون جاؤوا من أقطار عالمنا الشرق أوسطي، يرفعون إلى العالم موضوعاً بمعانيه ورموزه من هذا الشرق الأوسط الذي نعيشه اليوم. من المغرب عزفوا، من لبنان، من تونس. اما الملك فأدى دوره التونسي محمد الجبالي.
■ فهمت منك أنك الراوية، أمّا صوتك الأوبرالي ففي أي مشهد أطلقته؟
– هي تلك المواجهة مع دمنة في السجن التي أنشدتها بالفرنسيّة، موشّحاً حزيناً من ست دقائق “جئت أراك أخي من وراء القضبان، إعتقدت أن الندم غسل روحك…”.
■ هل ثمّة أمل بأن تعرض أوبرا “كليلة ودمنة” في لبنان؟
– هذا العمل يتطلّب دعماً شجاعاً من شركة إنتاج تتولّى عرضه في مهرجان من مهرجانات لبنان. بعد إيكس، رحنا إلى ليل. في شهر أيار المقبل سنكون مع “كليلة ودمنة” في مدينة ديجون وبعدها مع فلهارمونية باريس. أرجو أن نصل بهذه التحفة إلى لبنان.
■ هل من مشاريع خاصة بك؟
– في التاسع من شباط المقبل سأكون بأغنية حب في فيلم فيليب عرقتنجي “سمعي” الذي سيعرض في بيروت. كما سجّلت أغنية “يا رايتني” من كلمات علي المولى وألحان محمود عيد وتوزيع عمر صبّاغ.
مي منسى
النهار