كلّنا مستهدَفون. المسيحيّون مستهدَفون. المسلمون مستهدَفون. السنّة مستهدَفون. الشيعة مستهدَفون. الموارنة مستهدَفون. الروم مستهدَفون… كلّنا مستهدَفون. كلّنا أضحينا أهدافًا مشرّعة في مهبّ الريح الهوجاء.
لا قاسم مشترك بيننا سوى أنّنا ضحايا الأرهاب. كلّ شيء يفرّقنا، التعصّب الدينيّ، الطائفيّة، المذهبيّة، العنصريّة القوميّة والوطنيّة… هذه كلّها تجعلنا قبائل متناحرة، متقاتلة، متصارعة. ما يجمعنا هو أنّنا كلّنا نتساوى في كوننا أهدافًا للأرهاب. ما يجمعنا هو الأرهاب الذي يضرب في كلّ مكان، يضرب الجميع بلا استثناء، يضرب خبط عشواء.
ليس المسيحيّون وحدهم هم المستهدَفين، ولا المسلمون وحدهم. لذلك لا يجوز التفريق ما بين ضحايا الإرهاب، لا يجوز التفريق ما بين الأبرياء الذين استشهدوا على أيدي القنابل البشريّة. ومن العار أن يحصر بعضهم المستهدَفين بأبناء طائفة واحدة أو مذهب واحد أو دين واحد.
كما بات من العار الكلام على التضامن ضمن الدين الواحد أو الطائفة الواحدة أو المذهب الواحد، أو الكلام على ضرورة قيام تحالف الأقلّيّات الدينيّة لضمان استمرارها في الوجود، أو الكلام على مظلوميّة المذهب الفلانيّ وانتقال المظلوميّة من مذهب إلى آخر… كلّ كلام طائفيّ أو مذهبيّ، اليومن لا يصبّ بسوى مصلحة الإرهابيّين والساعين إلى الفتنة.
بات، إذًا، من غير الجائز الكلام على سوى تحالفنا، نحن الضحايا، مسلمين ومسيحيّين ولا منتمين دينيًّا، سنّة وشيعة ودروزًا وموارنة وأرثوذكس وكاثوليك، في وجه الإرهاب. تحالف الضحايا البريئة وحده هو الذي ينصف كلّ الذين استهدفهم الإرهاب، إرهاب الجماعات المسلّحة أو إرهاب الدولة.
في لبنان، لا يجوز اللجوء سوى للجيش اللبنانيّ، الجيش الوطنيّ الوحيد. هذا الجيش الذي أتى أفراده من كلّ المناطق اللبنانيّة، ومن كلّ الطوائف اللبنانيّة. كلّ شيء في لبنان يقسّم اللبنانيّين ويردّهم إلى قبائلهم وعشائرهم، إلاّ الجيش اللبنانيّ وحده هو الذي يجمعهم. الجيش اللبنانيّ بات القاسم المشترك الوحيد بين كلّ اللبنانيّين.
قاسمنا المشترك أنّنا جميعنا ضحايا الإرهاب، وقاسمنا المشترك أيضًا الجيش الوطنيّ الساهر على الذود عن الضحايا في وجه الإرهاب الاعمى. وعلينا ألاّ ننسى أنّ الجيش قد قدّم درّة شبابه من المسيحيّين والمسلمين في حربه ضدّ الأرهاب، وهذا لدليل آخر على أنّ الإرهاب لا يستهدف دينًا دون آخر، أو مذهبًا دون آخر.
الخطر الأكبر الذي يداهمنا هو أن ينجح الإرهاب في بثّ سموم الفتنة الطائفيّة ما بين اللبنانيّين. لذلك نقول أن لا خلاص للبنان إلاّ بتعزيز المواطَنة الصرفة النقيّة من كلّ أدران الطائفيّة المسيطرة على مفاصل الحياة الوطنيّة كافّة. وما دام التعامل مع اللبنانيّين يتمّ بصفتهم كتلاً طائفيّة متراصّة وجوهريّة فلا مناصّ من أنّ عوامل التفرقة الكامنة في الطوائف ستستيقظ ذات يوم لتعيد الانقسام والتشتّت بين اللبنانيّين. فالوطن مجموعة مواطنين أحرار في انتماءاتهم الدينيّة والحزبيّة والإيديولوجيّة، لا مجموعة طوائف تصادر حقّ أبنائها حتّى في عدم الانتماء إليها سياسيًّا أو اجتماعيًّا.
نحن، الضحايا، ضحايا الحقد الإرهابيّ، نتوسّل، بعد الله، عينًا واحدة تسهر على أمننا، هي عين الجيش الوطنيّ اللبنانيّ، حماه الله وأعزّه في سبيل درء الفتنة المتربّصة بنا، وأن يبتر رأس الأفعى مرّة وإلى الأبد.