أفضل ما يمكن أن تقوم به الكنيسة في لبنان اليوم، هو أن تتشبّه بالأب بشارة أبو مراد، إنه أجمل تكريم لها في ألفيتها الثانية، وأجمل تكريم له في ذكراه.
يُحكى أنه قبل وفاته قبل 85 عاماً، وبالتحديد في 22 شباط، طلب ألا يتحدّث أحد عنه، وأن يموت سراً إذا امكن، في الخفية، كما عاش في الصمت، أمر ليس غريباً عن الكنيسة المدعوة إلى أن تموت سراً إذا أمكن، في الخفية وفي الصمت.
فالمشكلة لم تكن يوماً في ضرب الكنيسة، أو في اضطهادها أو في موتها، المشكلة كانت في حياتها، في أن تعيش حياتها، كما يعيش البعضُ حياتهم، أي متّحدة بالعالم، منفصلة عن حياة المسيح.
الأب بشارة أبو مراد، اكتشف حياة المسيح واكتشف أن عليه أن يخسَر العالم، وكان كل يوم يسعى إلى مزيد من الخسائر، كل يوم كان يفقد شيئاً، يموت فيه شيء، يُعطي يتخلّى، إلى أن أصيب بمرض تسبب به فقدان كل شيء، مرض الجوع.
والكنيسة على غرار الأب بشارة تحتاج إلى أن تجوع، فالجوع يُنقذها من التُخمة، ويُعيدها كما نشأت، عارية، عدوة العالم، عاشقة المسيح، وإذا لم تسعَ الكنيسة إلى عداوة العالم، فإنها حتماً ستكون في عداوة مع المسيح.
أبونا بشارة كان العدو الأول للعالم، لأنه وهو الراهب المخلّصي، كان همّه خلاص الناس “كل نفس تهلك… منك أطلبها”، آية رفعها فحرَمته الكلام، إلا على الله، وحرمته الطعام، إلا القربان، وحرمته النوم.
والكنيسة حين تضع أمامها آية الأب بشارة، تتوقّف عن الكلام، وعن الطعام، وعن النوم، وتتخلّص من التخمة، وتتخلّص من المجالس والموائد والمنابر، ورجال المجتمع أو نساؤه، ورجال السياسة والخدمات والأضواء والبلاط، ومن رجال الدين… يأتي رجال الصلاة.
من دير المخلص إلى سائر الأديار، من جون إلى كل الرعايا، من “أبونا بشارة” إلى المؤمنين وغير المؤمنين، اخسروا العالم، اربحوا المسيح.
ميشال هليّل
النهار