“على الكاثوليك أن ينظروا إلى مريم ليكونوا جزءاً من ديانة تناضل لأجل الحقيقة، بدلاً من التمثّل بالثقافة الشعبيّة”. بهذه الجملة، عبّر رئيس أساقفة فيلادلفيا تشارلز شابوت عن أهمية “تذكّر من نحن والقصّة التي ننتمي إليها”، خلال كلمة ألقاها ضمن “ندوة الأساقفة” التي عُقدت في جامعة “نوتردام” يوم الأربعاء الماضي، بناء على مقال أعدّه مات هادرو ونشره موقع catholicnewsagency.com الإلكتروني.
كما وأضاف الأسقف: “إن أردنا إعادة المطالبة بما نحن عليه ككنيسة، وإن أردنا إعادة تجديد الخيال الكاثوليكي، علينا أن نبدأ بأنفسنا وبرعايانا، عبر سحب قلوبنا من افتراضات ثقافةٍ ما زالت تبدو مألوفة، مع أنّها لم تعد خاصّة بنا”.
أمّا حديثه هذا فقد ارتكز على لوحة تعود للعصور الوسطى، وتُظهر مريم العذراء وهي تلكم الشيطان على وجهه (بل على أنفه إذا صحّ التعبير). وقد علّق شابوت قائلاً: “مريم لا توبّخه، ولا تدخل معه في نقاش، بل تلكمه على وجهه. لذا، إنّ مريم العذراء الشابة والأمّ المحبّة هي وستبقى المدافعة الأكبر عن الكنيسة”.
وتابع شابوت شرحه للّوحة قائلاً إنّها مناسِبة، لأنّ “المسيحية ديانة محاربة، ليس في معنى الحقد أو العنف الموجّه نحو الآخرين، بل من ناحية النضال الروحي ضدّ الشيطان الذي في داخلنا وفي العالم من حولنا، حيث أسلحتنا هي الحبّ والعدل والشجاعة وبذل الذات”.
ثمّ استطرد رئيس أساقفة فيلادلفيا قائلاً إنّ المشكلة تكمن في أنّ العديد من الكاثوليك الأميركيين تخلّوا عن هذا النضال الروحي، وتمثّلوا كثيراً بالثقافة الشعبيّة “التي تمحو قناعات دينيّة قويّة باسم التسامح الليبرالي، والتي تعتّم تَوقنا لله بواسطة نهر من الإلحاد العمليّ بشكل مواد استهلاكيّة”.
وتطرّق شابوت بعد ذلك إلى تصرّفات السياسيين الذين يتبعون طموحاتهم وأهوائهم، بدلاً من أن يكونوا أوفياء للكنيسة، في ظلّ عدم حراك العلمانيّين وأعضاء الكهنوت، والتزامهم الصمت وعدم دفاعهم عن الحقيقة. “بالنسبة إلى البابا بندكتس السادس عشر، إنّ العلمانيّين والكهنة ليسوا بحاجة إلى التنازل علناً عن معموديّتهم ليكونوا كفّاراً. يكفي أن يلزموا الصمت عندما يملي عليهم إيمانهم الكاثوليكي برفع الصوت، وأن يكونوا جبناء عندما يطلب منهم يسوع أن يتحلّوا بالشجاعة، وأن يبتعدوا عن الحقيقة عندما يكون عليهم العمل والنضال لأجلها”.
في السياق عينه، حذّر رئيس أساقفة فيلادلفيا من الرؤية العالميّة التكنوقراطيّة، التي ترى أنّ حلول جميع المشاكل هي عمليّة وتقنيّة. ففي هذه الحالة، يمكن أن ينجرف الكاثوليكي نحو الاعتقاد أنّه يجب وضع الصلاة على حدة، لأنّ التكنولوجيا تدرّ النتائج، فيما نتائج الصلاة لا تظهر مباشرة أو بشكل جليّ. من هنا، تميل مخيّلتنا إلى الحلّ الأفقي وتبتعد عن العموديّ.
ثمّ حثّ شابوت الأساقفة الموجودين على تحدّي المؤمنين للسعي خلف القيم البطوليّة وعدم القبول بما هو وسطيّ، كما سبق للبابا فرنسيس أن تحدّى الكاثوليك في لقاء العائلات العالمي سنة 2015. إلّا أنّ الأسقف أقرّ أنّ تحدّي المؤمنين قد يُبعد بعضهم عن الكنيسة، لكن على القادة ألّا يخشوا التبشير بحقيقة المحبّة، مهما كانت العواقب، مضيفاً أنّه يجب القيام بكلّ شيء لحمل الكاثوليك على إعادة إحياء الحياة في الكنيسة وقائلاً: “إن كان التبشير بالحقيقة بغيضاً بالنسبة إلى الكاثوليك الذين لا يعيشون إيمانهم، قد يكون هذا أكثر صدقاً لمن يرحلون وأكثر صحّة لمن يبقون”. كما وأشار الأسقف إلى أنّ هذا الصدق هو المطلوب للتبشير بالحقيقة بحبّ، مصرّاً على أنّه لا محبّة بدون صدق.
وختم شابوت مداخلته قائلاً “إنّ الزمن الحاليّ قد يكون صعباً بالنسبة إلى المسيحيين، لكنّه زمن شجاعة وإخلاص، وهو ليس أوّل زمن من نوعه”.
زينيت