المصدر: “النهار”
نيكول طعمة 20 آذار 2015
نذرت نفسها لخدمة الإنسان المعذّب عبر تكريس حياتها للرهبنة وللتضحية وبذل الذات لمن ضاقت بهم الدنيا من يتامى، مشرّدين، وذوي الحالات الإجتماعية الصعبة.
دخلت الأم باسكال خضره دير “راهبات سيّدة الخدمة الصالحة”- جبولة في البقاع، وهي في ربيعها الأربعة عشر، وارتدت ثوب الرهبنة عن إيمان وقناعة كاملتين في مساعدة الحالات الإجتماعية الصعبة وإنقاذها من البؤس، والعمل على إعادتها مجدداً إلى الحياة بكل ثقة وإيمان.
تقول إنها تفخر برسالتها وبعملها إلى جانب الأطفال، خصوصاً بعد تعيينها قبل نحو ثمانية أعوام رئيسة عامة للدير المذكور، “إذ صرت قريبة أكثر فأكثر من الميتم كما الأولاد، الذين اهتم بكل واحد منهم مباشرة دونما تمييز طائفي، مذهبي، عرقي، مناطقي أو غير ذلك”.
أسألها في مناسبة عيد الأم، عن مفهومها للأمومة وعمّا إذا كانت تعيش لحظاتها الجميلة؟ تجيب بعمق وإحساس مرهف: “هي كل الحنان، الحّب، العطاء، التفاني والتضحية المجانية من دون مقابل… ولكل صفة من هذه الصفات أبعادها”. هي العين الساهرة على الدير ومن يقطنه، أكان طفلاً لقيطاً، أم ولداً يتيماً، أم فقيراً يحتاج إلى اهتمام ورعاية. وهي بسهرها المتواصل على حاجاتهم، تنظر إليهم فرداً فرداً، وتتفقدهم كي يبقوا فرحين ومرتاحين.
تعمل كأي أم أنجبت أولاداً على توفير الأمن الإجتماعي لهم، وتقول: “أزرع الأمل للأولاد دون أن أنتظر كلمة شكر لأنها رسالتي كراهبة، وهذه الرسالة أبعد من أي مكسب مادي، وما أقوم به لا يختلف عمّا تفعله الأم تجاه أولادها”.
ليس الهمّ الوحيد للأم باسكال كراهبة مكرّسة وأم مسؤولة عن أطفالها، أن توفّر لهم الرعاية والحاجات الأساسية من مأكل، مشرب، منامة ومستلزمات أخرى، “فهذه من أبسط الحقوق التي يحصل عليها الطفل” تقول، “لكن ما أتطلع إليه بقلق دائم هو أن أرى في كل ولد من أولادي الـ110 إنساناً مسؤولاً وناجحاً في مجتمعه ومستقبله، وأنا أعمل دوماً على زرع هذه الفكرة في نفوس الأطفال”.
“أعيش الإنسلاخ باستمرار”
كيف تصف الأم خضره لحظات تسلّمها رضيعاً مرمياً الى جانب الدير، على أن يبقى في عهدتها ريثما يجد المدعي العام التمييزي الوقت المناسب والعائلة الصالحة لتبنيه وتربيته؟
“يُساورني شعور غريب حياله وأعتبر أن الله وضعه أمانة بين يديّ، ومن المستحيل أن نفرّط بهذه الأمانة والنعمة إلى حين توافر العائلة الصالحة والراغبة بقناعة تامة في تبنيها إياه”. وهي لا تخفي تعلقها شيئاً فشيئاً بكل طفل أو طفلة تتسلمها، وتشعر بانسلاخ موجع عندما يؤخذ للتبني، “بصراحة، أعيش هذا الانسلاخ باستمرار، تارة أشعر بسعادة لأننا نعيش مع الطفل وهو ينمو ويكبر بيننا، لا سيّما أنني أرافق حركاته وابتساماته، وطوراً أحزن لحظة مغادرته الدير، ومع ذلك أدرك تماماً أن دور الأم قد ينتهي في وقت محدّد لأن الأولاد غير دائمين لأمهاتهم”. وتوضح في هذا السياق، “لهذا السبب أتوسّل العائلات أن تمنحهم حياة كريمة، وأن تتردد بشكل متواصل إلى الدير كي نبقى على علاقة وطيدة بأولادنا”.
تلك هي المسيرة الحقيقية التي تضيء الدروب وتمحو الضلال وتقودنا إلى مكان لا مادة فيه ولا قشور زائفة… وأقل ما يُقال عن الأم باسكال خضره وأمثالها، في هذه المناسبة الجميلة، أنهن يجسّدن المعنى الحقيقي لدور الأم ورسالتها النبيلة والعظيمة.