يعيش اللبنانيون هذه الأيام في قلب همومهم المتشعبة والكثيرة ومشاغلهم الحياتية، ويتذمرون من كل شاردة وواردة. وأينما ذهبنا نسمع المواطنين يقولون: “لقد ضاقت فسحات العيش في مجتمعنا، وضاقت صدورنا بما يجري ونكاد ننفجر سخطًا ونقمةً”.
نعم إن هذا الجو العام صحيح إلى حدّ ما، وممّا لا شكّ فيه أنّ الأوضاع التي نمر بها في لبنان والمنطقة صعبة جدّاً ومعقدة. وإن ما وصلت إليه أوضاعنا في لبنان لا نحسد عليه. ولكن برأيي المتواضع ما ينقص في كل موجات الاعتراض هذه، والبكاء على الأطلال وتكريس “فرق النق والعزاء”، هو أن نطرح سؤالًا جوهريًا: لماذا كل هذا؟ وما هي الأسباب الكامنة وراء ما وصلنا إليه من وضع حذر وإنحطاط قيمي وأخلاقي واختلال أساسي في سلّم القيم؟
إن مشكلتنا اليوم هي قيمية وثقافية وإنسانية وحوارية بامتياز. على سبيل المثال ما هي أولويات القيم في مجتمعنا؟ الجمال أم عمليات التجميل؟ الفكر النيّر أم حشد الأفكار الغريبة والهادفة إلى استغلال الإنسان؟ الإحترام المتبادل أم فرض التسويات، والتعنيف في تطبيق المصالح الخاصة؟ البرامج التربوية التي يبنى بعضها على تكديس الأموال وفتح المؤسسات التجارية، أم التربية الحقيقية على الثقافة الواسعة والنجاح في الحياة والبقاء في الأرض والوطن؟
التذمّر من السياسة والسياسيين والنق الدائم، أم الجرأة في المحاسبة والتصويب؟ التشكي من زحمة السير أم احترام إشارات السير وتطبيق القوانين وعدم قتل الناس والسير على جثثهم؟ ؟
إن الأمثلة كثيرة ولكننا اعطينا فقط بعضا منها لأن المطلوب واحد: أن نأخذ موقفاُ قوياً تاريخياً جذرياً، رافعين علَمَ الحوار البنّاء والثقافة الواسعة والفكر النيّر والقيم الإنسانية لنبني مجتمعاً مزّقته الحوارات التي لا تسمع إلا صوت منظّميها، دون اعتبار الآخر واحترامه. كذلك حتّى لا يصبح العلمُ عبئاً علينا إذا لم يصنع ثفافة الحياة، وحتى لا تصبح القيم قصاصاً لمن يؤمن بها، وحقوق الإنسان لقمة سائغة عند المتسلّطين على رقاب الناس والحاكمين بأمرهم.
نعم نريد تغييراً بنيوياً في مجتمعنا، يعتمد على مبادىء الحوارات السليمة والثقافة الجامعة والقيم الصافية. من هذه المنطلقات يأتي إصرارنا في أوسيب لبنان على متابعة عقد فعاليات المعرض المسيحي للسنة الخامسة عشرة على التوالي ، ودون توقف ، على الرغم من كثرة الصعاب والمشاكل ، ومهما كانت التضحيات. لا بل نطمح إلى تطوير هذا الحدث في السنوات المقبلة بشكل لافت وجذري، هادمين بذلك جدران الجهل والمصالح الشخصية والخاصة وظواهر اللاّانسنة العابرة.
إنّ الحياة لمن يذهب إلى عمقها، ولمن يعمل بجهد ووفق القيم، والحياة لا تحلو دون هذه الفسحات مهما تطورت التكنولوجيا وتعدّدت العلوم وكثرت وسائل التواصل والإتصال. لأنّ المطلوب واحد: وهو خلاص الإنسان والحفاظ على كرامته وتقديسه.
الأب طوني خضره
رئيس أوسيب لبنان