سوء فهم ٍ لمعاني بعض التعابير والمصطلحات ، قد تؤدّي إلى طرح أسئلة واعتراضات حول علم لاهوت المسيح . هذا العلم ” خرستيولوجيا”، يُدرس في كليّات اللاهوت لسنوات ، ولا يفي غرضه من قبل الأساتذة والإختصاصيّن لتوصيل جزء ممّا يمكن أن يعطي الفحوى الكامن فيه .
لا بدّ أوّلا من إدراك الفرق بين ” الطبيعة ” و ” الشخص ” . فالطبيعة هي الجوابُ على السؤال الذي نطرحه أمام كلّ كائن : ” ما هذا ” ؟ ، فنقول : هذا إله ، هذا إنسان ، هذا حيوان ، هذا نبات …. ولكلّ من الكائنات طبيعته الخاصّة التي يتميّز بها عن غيره . والطبيعة لا يمكن أن تقوم في الوجود دون شخص أو فرد يحملها ؛ لذلك هي منفتحة لتقبّل الأشخاص . وانفتاح الطبيعة هذا أمر لا بدّ منه لكي تبرز الكائنات إلى الوجود . وهكذا فإنّ الطبيعة البشريّة منفتحة لتقبّل الشخص البشريّ وتقبّل عدد لا يحصى من الأشخاص البشريّة . ولا وجود لأيّ شخص بشريّ قبل بروزه إلى الوجود بطبيعة بشريّة .
أمّا في المسيح ، فالطبيعة البشريّة يتقبّلها شخص موجود منذ الأزل هو شخص ابن الله الكائن منذ الأزل مع الآب . وهذا الشخص هو ، قبل التجسّد ، شخص قائم (وهذا معنى لفظة أقنوم) في الطبيعة الإلهيّة الواحدة مع الآب والروح القدس . أمّــــا بعد التجسّد ، فيبقى الشخص هو نفسه ، وطبيعته الإلهيّة لا تتغيّر . إلاّ أنه يتخذ أيضا طبيعة بشريّة ، فيصبح شخصًا واحدًا بطبيعتين .
تلك هي عقيدة التجسّد كما عبّر عنها مجمع خلقيدونية بتعابير فلسفيّة ، بينما اكتفى العهد الجديد باظهار يسوع انسانا تامّا وابن الله الكائن من الأزل مع الله . فعقيدة قانون الإيمان الرسميّ هي عقيدة ماورائيّة نظريّة مجرّدة ، لكن بدلالة ٍ خلاصيّة تدبيريّة . فالمفاهيم الفلسفيّة كان لا بدّ منها لتوضيح جوهر العقيدة . وهذا الجوهر هو ما يجب التمسّك به : فيسوع المسيح هو انسان شبيهٌ بنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة ؛ إلاّ أنه ليس مجرّد إنسان تبنّاه الله ، كما قال بولس السميساطيّ ، ولا إلهـــًا أدنى كما قال آريوس .
نحنُ هنا ، لسنا إزاءَ أساطير من نسج الخيال ، إنّـــما إزاء سرّ محبّة الله التي لا تدرك أبعادها . هكذا أحبّ الله العالم حتى انه أرسل ابنه الوحيد إلى العالم ليشرك العالم في حياته الإلهيّة . فيسوع المسيح الإنسان هو نفسه ابن الله وكلمته الذي صار انسانا ليرفع الإنسان إلى الله . انه عمّانوئيل ، أي الله معنا ، وحضور الله في ما بيننا ، فيه التزم الله إلتزاما نهائيّا حياة البشر ليسير بها إلى التألّه .
” لا وجود في شخص يسوع شيزوفرينيا ، انفصام شخصيّة – بل اتحاد عميق بين الألوهيّة والإنسانيّة ، لهذا في تعليم الكنيسة لا نسمّيه ” نظريّة التجسّد ، أو لغز التجسّد ، بل ” سرّ التجسّد ” ؛ والأعمق من هذا ، هو تسمية السرّ بـــ ” سرّ كشف محبّة الله الذاتيّة للعالم من خلال يسوع الناصريّ ” .
زينيت