الى لاسا في أعالي جرود جبيل تتجه الانظار مرة جديدة، نتيجة الاعتداء على أراضي البطريركية المارونية من بعض اهالي لاسا الذين يصرون على ان العقارات هذه هي ملك لهم، ويتمسكون بذلك بقوة السلاح، مستغلين الشعور بفائض القوة المعنوية والسياسية التي يعتقدون ان القوى الشيعية توفرها لهم. في حين ان هذا الامر يمثل “خسارة معنوية غير مبررة للشيعية السياسية واحزابها امام الرأي العام المسيحي الذي يتفهم الى حد كبير الهواجس الاقلوية، لكنه لا يمكن ان يتفهم بأي شكل الاعتداء على أراضي الغير وانتهاك حقوقهم بقوة السلاح”، على ما تقول أوساط كنسية متابعة للملف.
عمّ التفاؤل خلال ولاية وزير الداخلية السابق مروان شربل بقرب الاعلان عن الاتفاق على بدء أعمال المسح، بالتوازي مع التطور الايجابي في موقف الثنائي الشيعي “حزب الله” و حركة “امل” بالرغبة في التوصل الى حل ايجابي للمشكلات، برفع الغطاء بداية عن المخالفين والمعتدين على املاك الكنيسة المارونية في لاسا واعالي جبيل وكسروان. وكان الاتفاق في بكركي على رفع الغطاء عن نحو 85 مخالفة بناء وتعديات على املاك الكنيسة والاملاك الخاصة، وخصوصاً العقار 61 المملوك من الكنيسة المارونية، وإعادة الامور الى نصابها دون اي اثارة طائفية او مذهبية. لكن الامور عادت اخيراً الى نقطة الصفر مع اقتراب أعمال التحديد والتحرير أو المساحة من البيوت، مما سيؤدي عملياً الى الكشف عن الحدود العقارية ويوضح كل الامور العالقة، سواء منها الاعتداءات على ملكية الكنيسة او الملكيات الخاصة، ويسقط كل ذريعة غير قانونية.
لا ذريعة حقيقية لدى المعترضين على المساحة في لاسا، والاوراق التي يبرزها البعض وتحمل تواقيع مخاتير لاسا تحتاج الى إثبات صحتها، وهي كمن يصرف من مال الآخرين. في موازاة ذلك، تحتفظ الكنيسة في خزائنها بمراسلات وصكوك ملكية رسمية تعود الى مئات السنين، ومدعمة بوثائق تاريخية ومراسلات منذ ايام العثمانيين، اضافة الى خرائط مساحة 1939، وهي آخر عملية مسح قانونية جرت في تلك الانحاء. ويقول رئيس “حركة الارض” طلال الدويهي أن ما يجري لا يجوز وهو غير شرعي “ولا يمكن جمهور المقاومة الاعتداء على أملاك المسيحيين ولا غيرهم، وما يقوم به الشيخ محمد عيتاوي ليس اعتداءً على أملاك المسيحيين فحسب، بل هو اعتداء على العيش المشترك وكل الرأي العام المؤيد للمقاومة (…)”. ويحض الدويهي العقلاء على “التعامل مع ما يجري تحت سقف القانون لا بمنطق الاستعلاء والهيمنة والاغتصاب الاسرائيلي”. وفي رأيه ان الحل الافضل والمنطقي هو في الامتثال لقرارات القاضي العقاري. تشير محفوظات بكركي الرسمية الى أن أول من امتلك أراضي لاسا كان مطران بعلبك يوحنا الحاج الذي تبوأ مركز قاضي الموارنة في مجلس قائمقامية النصارى في جبل لبنان قبل أن يصبح بطريركا بين 1890 و1898، وذلك استكمالاً لما كان يقوم به زعماء الموارنة في العاقورة وبشري وتنورين واهدن لامتلاك جرود لبنان بكاملها، ابتداء من جبل صنين الى قمة ضهر القضيب في اقصى الشمال. وتضيف الوثائق أن أول من فكر في هذا المشروع كان الشيخ ابو نادر الخازن، ومن بعده ابنه الشيخ ابو نوفل الخازن في القرن السابع عشر، وعاونهما فارس شقير الارثوذكسي الذي نزح من شمال لبنان وتزوج فتاة مارونية من بلدة غبالة في كسروان ونزحت أسرته لاحقاً الى الشويفات. ويشار الى أن الباحث الفرنسي دومينيك شوفالييه في دراسته عن مجتمع جبل لبنان كتب عن المراسلات بين مسلمي جبيل والبترون والسلطات العثمانية، والتي توضح ان الشيعة نزحوا عن تلك الانحاء، لا بسبب الخلافات والنزاعات مع المسيحيين، بل بسبب الجوع والفقر وضيق إمكانات تلك الأنحاء اقتصادياً.
يذكر أيضاً، أن البطريرك يوسف راجي الخازن (1845 – 1854)، عقب أحداث 1840، أصدر قراراً منع بموجبه بيع الاراضي على أي مسيحي مهما علا شأنه قبل العودة الى البطريركية المارونية، وعرضها على الكنيسة لكي تشتريها أو تتدبر له من يشتريها.
لقاء مرتقب بين الراعي وقبلان لمتابعة الخلاف العقاري في لاسا
برزت تطورات جديدة في مسألة الخلاف العقاري المزمن في بلدة لاسا على أوقاف وأملاك خاصة، خصوصا بعد اتفاق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ونائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان على ضرورة حل هذا الملف وإعطاء كل ذي حق حقه، وذلك خلال اتصال أجراه الأخير به إثر لقائه وفدا من أهالي لاسا.
وكان البطريرك تابع الملف خلال استقباله في الديمان كاهن رعية بلدة لاسا الخوري شمعون عون والمحامي اندريه باسيل، واطلع على جديد المسألة لجهة منع المسّاح من ممارسة عمله بشكل طبيعي.
وأعلن المسؤول الاعلامي في بكركي وليد غياض انه “يتم التحضير للقاء بين الكاردينال الراعي والشيخ قبلان بعد اتفاقهما على ضرورة حل هذا الملف”. وأشار الى أن “البطريرك الماروني طرح تحضير الملفات على الطاولة ووضع كل الحلول الممكنة التي لن تكون على حساب اي جهة، انما لمصلحة الحق والحقيقة”. ويدور الخلاف بين وجهتي نظر مطروحتين حالياً: الاولى يعمل اصحابها على الدفع نحو تسوية مع الكنيسة المارونية وتحديداً مع البطريرك الماروني، والاخرى يتحفظ اصحابها عن مبدأ التسوية ويدعو الى تنفيذ القانون فقط، اذ يعتبر هؤلاء ان التسوية لن تسمح بإحقاق الحقوق.
بيار عطاالله
النهار