كتب سمير قسطنطين في “صحيفة النهار” بتاريخ 4 شباط 2022 .
لن أُطلق النار، فهذا الكلام ليس مضبطةَ اتّهام من البابا فرنسيس لكنيسة لبنان. المعنى أهمّ وأعمق. هو لم يقُلْ إنّ الكنيسة غنيّة، ولم ينفِ ذلك. طالبَها أن “تتحلّى بالفقر”. لم يترك للكنيسة خيارات كثيرة. جعلَ لها ممرّاً إلزاميّاً للخدمة: “التحلّي بالفقر”. طالبَها بذلك “لكي تقدر أن تخدم شعبها”. في أذهاننا فإنّ صاحب الثروة هو القادر على خدمة الفقير. بنظر البابا، كنيسةٌ تتحلّى بالفقر هي التي تقدر أن تخدم الفقراء! معادلةٌ غريبة. لعلّه يقول إنّ كنيسةً غنيّةً تخدم الفقراء ربّما من الفتات الساقط عن مائدتها، بينما الكنيسة الفقيرة تُعطي ما يشفي الروح والنفس قبل أن يُطعم الجسد. هل تذكرون فِلسَي الأرملة؟
الناس قد تأخذ كلاماً من هذا النوع إلى الـExtreme، فتبني توقّعات ليست واقعيّة من مثل أن تُعلّم مؤسّسات الكنيسة كلّ التلاميذ فقراء وأغنياء مجّاناً، وأن تُطبّب كلّ المرضى مجّاناً. المقصود أمرٌ آخر هو أن تُعطي الكنيسة ذاتها وخيورها ومالها حتّى الوجع. سؤال الكنيسة لنفسها حول إستثمارات لم تكن ضروريّةً ربّما بات مُلحّاً بهدف التعلّم للمستقبل. تحديد الأولويّات “شغلة مهمّة”. ما هي الأولويّات؟ الإنشاءات؟ المعلّمون؟ الأهل؟ المرضى؟ الممرّضات؟ الموضوع بحاجةٍ إلى قراءاتٍ متتالية ومتوازية من الـ Stakeholders من دون أحكامٍ مسبقة. تفكيرُ الكنيسة بحتميّة تعميم ثقافة الشفافيّة في كلّ الاستثمارات والعائد على الإستثمار تفكيرٌ سيكون رائعاً. إلزاميّةُ وجود مدقِّقٍ مالي خارجي External Auditor سيكون أكثر من مطلوب. السببُ ليس الشكَّ بالناس بل حمايةٌ لها وللمؤسّسة. الكنيسة تملك حوالى خمسمئة مؤسّسة بين مدرسة ومستشفى وجامعة ومستوصف وديرٍ منتجٍ ومأوى عجزة وميتمٍ. هيَ مدعوّةٌ إلى قراءة ماضيها وحاضرها وتنميتها المُستدامة الـSustainable Development. ليس مطلوباً من مدرسةٍ أن تُعلّم كلّ الناس بالمجان لتُقفل أبوابها بعد سنتين. لكنّ أهل المدرسة الملتزمين مدعوّون لعيشِ “كفاف الخبز”. الكنيسة يُتّوَقّع منها حسن استخدام المال الموجود لديها بحيث ترصد الأوضاع الاجتماعيّة بدقّة لكي يتم التوزيع فعلاً للمحتاج فلا تتكرّر تجربة الدعم التي نفّذتها الدولة والذي ذهب إلى أُناس غير محتاجين. قيمة المال هي في استخدامه وليس في توفيره. فكلُّ قرشٍ يُنفَق في مكانه الصحيح هو القرش المهم. الآن حان وقت استخدام القروش المُوفّرة من “اليوم الأبيض”. هذا هو “اليوم الأسود” الذي من أجله خبّأت الكنيسة “قرشها الأبيض”. ومن الضروري القول إنّ قسماً من الأموال الموجودة هو من تعب الإكليروس والراهبات كافأ الله تعبَهم الكبير، ولكن هناك قسماً كبيراً منها هو من تعب العلمانيّين الذين قدّموا التقادم والنذورات والحسنات التي تكوّن منها هذا الرصيد، ولنا في ما فعله مَنْ سبقونا الذين رهنوا في الحرب العالميّة الأولى صلبانَهم والأواني المقدّسة لإطعام الشعب عبرةً رائعةً.
السؤالان اللذان يخطران ببالي الآن هما: أوّلاً، “ما هي المعادلة التي يجب أن تعتمدَها الكنيسة والتي تجمع ما بين مساعدة المعوزين وتأمين التنمية المستدامة لمؤسّساتها فلا تُفلس”؟ وثانياً، “كيف يُمكنني أن أوفّر لمشروعي هذا مصادر مالٍ وتمويلٍ فأجمع بين ثقافة “فكّ البقجة” التي أتقنَها جدودُنا وكثيرون من رجال الكنيسة ونسائها الآن، وبين ثقافة الـ Fundraising التي لم نتقنها بعد”؟ لو كُنتُ صاحب القرار في الكنيسة لم أكن لأُفكّر بأيِّ أمرٍ آخر في الوقت الحاضر سوى هاتين المعادلتَين.
كل مقال او منشور مهما كان نوعه لا يعبر بالضرورة عن رأي الموقع بل عن رأي صاحبه