كتب قاسم قصير في أساس ميديا بتاريخ 17 آذار 2022.
انطلقت في الأسبوعين الماضيين بعيداً عن الأضواء سلسلة لقاءات حواريّة حول مستقبل لبنان. وقد أطلقت هذا الحوار مجموعة شخصيات مسيحية تنشط تحت اسم “اتّحاد أورو”، الذي يضمّ أكاديميين وإعلاميين وناشطين اجتماعيين وخبراء اقتصاديين.
أعدّ هؤلاء بعنوان: “لبنانيون من أجل الكيان”، أطلقها باسمهم رئيس “الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة في لبنان”، الأب طوني خضره، وتعاون معه عدد من الأكاديميين ورجال الدين والإعلاميين. خضره المعروف بخوضه معارك “مسيحية” داخل الإدارات الرسمية وخارجها، تحت عنوان “لابورا”، وهي مؤسسة تعنى “بتأمين فرض عمل للشباب المسيحي”.
لقيت الوثيقة الجديدة اهتماماً من بعض الأوساط الإسلامية، خصوصاً أنّها تزامنت مع نقاشات وحوارات في تلك الأوساط حول مستقبل لبنان ونظامه. وعقدت بعض الشخصيات والوفود الفكرية والسياسية لقاءات حوارية مع معدّي الوثيقة في مركز الاتحاد في أنطلياس، وزارت وفود من “اتحاد أورو” المرجعيّات الدينية والسياسية الإسلامية لإطلاعها على مضمون الوثيقة وتقديم الملاحظات حولها.
“لبنانيون من أجل الكيان”، وثيقة مهمّة أطلقها رئيس الاتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة في لبنان الأب طوني خضره، وتعاون معه عدد من الأكاديميين ورجال الدين والإعلاميين
فماذا تتضمّن هذه الوثقية المهمّة؟ وما أبرز الملاحظات عليها؟ وهل يمكن أن تشكّل مدخلاً إلى حوار إسلامي – مسيحي حول مستقبل لبنان في مواجهة الطروحات التقسيميّة والفدرالية والمتشدّدة؟
أوّلاً، لبنان دولة واحدة موحّدة أرضاً وشعباً ومؤسسات.
ثانياً، لبنان جمهورية ديمقراطيّة مؤسّسة على الحرّية والمشاركة واحترام التعدّديّة.
ثالثاً، لبنان دولة قائمة على العيش معاً عبر ميثاقات تاريخية اجتمعت في ميثاق 1943 وأكّد الطائف عليها، وأهمّها المشاركة من خلال المناصفة بين جناحيْ لبنان، والسيادة المطلقة للدولة تعبيراً عن التمسّك بالعيش معاً، والالتزام بالدستور والقوانين اللبنانيّة.
تغيير النظام السياسي؟
عن تطوير النظام السياسي في لبنان تعتبر الوثيقة أنّه “لا يمكن أن تبقى الممارسة السياسية متروكة من دون تحديد صريح دستورياً، خصوصاً في موضوع المهل والإجراءات الملزمة، ولم يعد مسموحاً بعد اليوم ترك ثغر في الدستور مبهمة أو غير منصوص عليها صراحة. يتطلّب هذا الأمر إدخال تفسيرات جديدة أو تحديد جديد لبعض الصلاحيّات حتى تعمل الدولة بتناغم واضح”.
وتدعتو إلى “الإسراع في تشكيل مجلس شيوخ يقوم على صيغة تشاركيّة وتمثيليّة، على أن تُعطى له صلاحيّات واضحة”. كما تدعو إلى “نقاش عميق في موضوع الدولة المدنيّة، لا من منطلق علماني صرف ولا من منطلق فدرالية الطوائف، بل من منطلق حدود التعدّد الطائفي وغير الطائفي والمشاركة الوطنيّة وحيادية الدولة بين الطوائف والمجموعات الثقافيّة”. وتركّد على “ضرورة تطبيق اللامركزية الموسّعة”.
تتبنّى الوثيقة الدعوة إلى الحياد، باعتبار أنّ “استعادة سياسة الحياد التي نهجها لبنان منذ الاستقلال باتت مطلباً لا بل واجباً وطنياً. لكنّ استعادتها تحتّم أن يدخل الحياد من ضمن الدستور، بعدما ثبت أنّ حصره في مبادئ السياسة الخارجية وحدها، على الرغم من لعبه أدواراً مهمّة، لم يعُد يكفي لصون المصلحة اللبنانيّة العليا والاستقرار الداخلي.”
يمكن أن تشكّل هذه الوثيقة المسيحية المهمّة مدخلاً مهمّاً إلى حوار لبناني – لبناني. وعلى الرغم من سلسلة اللقاءات الحوارية التي عُقدت بين المشرفين على إطلاق الوثيقة، سواء في مركز الاتحاد الكاثوليكي للصحافة العالمية في أنطلياس أو مع بعض المرجعيات الدينية والفكرية والسياسية، فإنّ الملاحظ حتى الآن أنّ هناك تحفّظاً إسلامياً واضحاً على إعطاء إجابات حاسمة ونهائية على ما طرحته الوثيقة من ملفّات وموضوعات مهمّة دستورية وفكرية وسياسية. وإن كانت معظم الأوساط الإسلامية، التي شاركت في هذه الحوارات اللبنانية، قد أبدت ترحيبها بالوثيقة وأكّدت استعدادها لعقد حوارات معمّقة فيها. لكن يبدو أنّ الجميع ينتظر انتهاء الانتخابات النيابية في شهر أيار المقبل، ووضوح الصورة داخلياً وخارجياً.
فهل تشكّل هذه الوثيقة مدخلاً إلى حوار لبناني – لبناني حقيقي أم تنضمّ إلى غيرها من الوثائق اللبنانية الحوارية التي تطرحها بعض الشخصيّات والهيئات الإسلامية بانتظار القرار الإقليمي والدولي في ما يتعلّق بمستقبل لبنان؟