كتبت هيام طوق في موقع Grandlb بتاريخ 21 نيسان 2022
لبنان أمام استحقاقات هامة يعتبرها كثيرون بالغة الدقة في تحديد مستقبل البلد الذي يعيش على حافة انهيار غير مسبوق، والتعويل عليها كبير علها تكون محطة للانطلاق في قطار الاصلاح، وإعادة ضخ الروح في جسم الوطن الذي حوّلته السلطة الحاكمة الى أشلاء متناثرة.
بعد أقل من شهر من موعد الانتخابات النيابية، سيزور البابا فرنسيس لبنان لتكون رسالة أمل ورجاء للبنانيين والوقوف الى جانبهم والتأكيد لهم أنه مهما اشتدت الصعاب فهي الى زوال، ومهما تلبدت السماء بغيوم الاحباط واليأس والفقر، فإن شمس الطمأنينة ستشرق من جديد في القلوب وتزهر أياماً مضيئة.
الحبر الأعظم أكد في أكثر من مناسبة أن لبنان في قلبه وأنه يتألم لألمه وسيزوره في أقرب فرصة، وهكذا حصل حين قرر زيارة بلاد الأرز يومي 12 و13 حزيران المقبل ليقول للقاصي والداني إن وطن الرسالة لن يكون ساحة للمساومات وتصفية الحسابات الاقليمية والدولية بل “مساحة تعايش سلمي واحترام لكرامة كل شخص وحريته”، كما لتأكيد المؤكد أن الفاتيكان لا يتدخل في السياسة الداخلية الضيقة، ولا يدخل في زواريبها الملطخة بكل أنواع الفساد والمصالح والكيديات بل ينظر الى المشهد العام بنظرة شمولية متعالية عن الصغائر، والتركيز على الثوابت الوطنية والتعايش والحوار واحترام الدستور والمؤسسات الرسمية ووضع حد للخلافات والانقسامات التي لم تجلب الا الويلات والأزمات للبلد الصغير بجغرافيته والكبير بتاريخه وحضارته وشعبه. أليس البابا فرنسيس من قال ذات مرة: “لا يمكن أن يُترك لبنان رهينة الأقدار أو رهينة الذين يسعون وراء مصالحهم الخاصة من دون رادع. وليضع كل مَن في يده السلطة نفسه نهائياً وبشكل قاطع في خدمة السلام لا مصالحه”.
الاستعدادات وترتيبات الزيارة بين بيروت وروما انطلقت بحيث شكلت لجنة لبنانية رسمية برئاسة وزير السياحة وليد نصار، كما عيّنت بكركي راعي أبرشية جبيل المارونية ورئيس اللجنة التنفيذية لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك المطران ميشال عون لتمثيل الكنيسة الكاثوليكية في اللجنة الوطنية والتنسيق لإنجاح الزيارة التي وضع تصور أولي لبرنامجها، الا أن المعنيين فضلوا عدم الكشف عنها لأنه سيعقد مؤتمر صحافي للاعلان عن تفاصيل الزيارة الثالثة لحبر أعظم إلى لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975- 1990)، بعد زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر في أيلول 2012 وزيارة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني في العام 1997 التي طبعتها عبارته “لبنان أكثر من وطن انه رسالة”.
وفي حين ذكرت وكالة “رويترز” أنّ البابا يدرس إمكان تمديد زيارته المقرّرة للبنان حتى يتمكّن من زيارة القدس والاجتماع بأسقف الكنيسة الروسية الأرثوذكسية وبطريرك موسكو وعموم روسيا كيريل الأوّل بعد وصوله إلى المدينة المقدّسة، ترددت معلومات عن تفعيل الحوار بين اللبنانيين عشية وصول رأس الكنيسة الكاثوليكية الى لبنان، وعن التحضير لمشروع أو وثيقة لنقاش قضايا خلافية، ويتم التواصل بين المعنيين في هذا الاطار مع العلم أن بعض المسؤولين السياسيين يقول ان الاجواء توحي بأن هناك مؤتمراً حوارياً بين اللبنانيين سيعقد بعد الانتخابات النيابية، برعاية دولية ومباركة فاتيكانية، لكن لا شيء محسوم حتى الساعة.
وإذا كانت الجهات الرسمية تنتظر اتضاح الصورة بعد الانتخابات النيابية، فإن مجموعات لبنانية مدنية ومنها مجموعة “لبنانيون من أجل الكيان” برئاسة الأب طوني خضره، تلقفت الموضوع، وعملت على إعداد ورقة سياسية شارك فيها نحو 60 شخصية قضائية ودستورية وحقوقية، تناولت مختلف القضايا الخلافية، وعرضتها على العديد من الجهات الرسمية والدينية والحزبية والأكاديمية بحيث عندما يحدد موعد للمؤتمر الوطني برعاية دولية، يكون لدى اللبنانيين وثيقة موحدة حول مختلف القضايا علّ الجهود اللبنانية تتلاقى مع الجهود العربية والدولية والفاتيكانية لتفعيل الحوار اللبناني – اللبناني. وانطلقت الوثيقة من الاتفاق على أن الطائف صالح للبنان لكن يجب وضع آليات تطبيقية له، وسد الثغرات التي ظهرت في الممارسة السياسية على مدى أكثر من ثلاثين سنة.
وركزت الوثيقة على خمسة ملفات أساسية: أولاً، الاصلاحات الدستورية اذ لا يمكن أن تبقى الممارسة السياسية متروكة من دون تحديد صريح دستورياً خصوصاً في موضوع المهل والاجراءات الملزمة. ثانياً، مجلس الشيوخ الذي يقوم على صيغة تشاركية وتمثيلية تعكس الأمة والدولة على السواء. ثالثاً، الدولة المدنية، والنقاش فيها من منطلق حدود التعدد الطائفي وغير الطائفي والمشاركة الوطنية وحيادية الدولة بين الطوائف. رابعاً، اللامركزية الادارية والمالية الموسعة اذ لا يمكن أن تتحقق المشاركة فعلياً وبشكل عادل من دون الانتقال من البنية المركزية القوية للدولة الى البنية اللامركزية الموسعة وإدخالها في صلب الدستور. خامساً، الحياد بحيث أن استعادة سياسة الحياد التي نهجها لبنان منذ الاستقلال باتت مطلباً لا بل واجب وطني”.
وأكد خضره لموقع ” لبنان الكبير” أن “كل الأطراف التي زرناها رحبت بالوثيقة بحيث أنه في المرحلة الأولى تم العمل مع الأحزاب المسيحية والكنيسة ثم مع رؤساء الطوائف الاسلامية والشخصيات السياسية ومجموعات من مختلف الأطياف، وسنستكمل لقاءاتنا حتى نهاية الشهر الحالي، ونحن بانتظار لقاء مع حزب الله لعرض الوثيقة عليه مع العلم أن هناك حواراً بين المجموعات المشاركة من مختلف الأطراف، ويتم التعديل في بعض الملفات”، مشيراً الى “أننا لم نتطرق في الوثيقة الى سلاح الحزب لأن الحل موجود في اتفاق الطائف”.
ولفت الى أن “كل طرف نزوره، يعيّن مندوباً عنه في المجموعة. وهؤلاء المندوبون يضعون تعديلاتهم قبل أن ننظم ورشة عمل بحضور ممثلي كل الأطراف، ويتم التوقيع على الوثيقة بصيغتها النهائية، ونأمل اعتمادها في المؤتمر الوطني لأن الجميع موافق عليها”.
وأكد أن “البابا فرنسيس تسلم نسخة عن الوثيقة ونوقشت في الفاتيكان مع العلم أن العمل عليها استغرق سنة و9 أشهر، وتزامنت مع زيارة الحبر الأعظم الى لبنان”. وأمل أن “تكون الوثيقة خطوة نحو الاتفاق اللبناني – اللبناني”، مشدداً على أن “ما يهم البابا أن يبقى لبنان، ولدى الفاتيكان خوف حقيقي على البلد، والبابا سيناشد اللبنانيين المحافظة على بلدهم ليكون رسالة”.