من السوريين دون أخرى. ولو قرأ هؤلاء الممتعضون المقالة جيداً لوجدوا فيها ما يأتي: “المسيحي السوري ليس أغلى من سواه، والكنيسة ليست أغلى من المسجد، ومعلولا ليست أغلى من أحياء حمص وحلب… إننا جميعاً سواء عند الله الرحيم والمحبّ البشر”.
ألم ينتبه الممتعضون إلى أنّنا لم ندعُ إلى حمل السلاح لتحرير المطرانين والراهبات، وأننا رفضنا رفضاً باتاً أخذ رهائن مقابل إطلاق أسرانا؟ ألم ينتبهوا إلى أننا لن ننساق إلى خيانة مبادئنا وإنجيلنا، وأننا سنبقى أوفياء لمسيحنا ولصليبه؟ ألم يدرك هؤلاء أننا إذا ما خُيّرنا بين أن نكون صالبين أو أن نكون مصلوبين نختار أن نكون مصلوبين كيسوعنا الناصري؟
بيد أننا نرفض أن تُنتهك كرامتنا ونبقى صامتين. فالمسيح الذي رفض أن يقاوم الشرّ بالشرّ لم يلتزم الصمت، بل قال للحارس الذي لطمه: “إنْ كنتُ أسأتُ الكلام فاشهدْ على الإساءة، أمّا إذا كنت أحسنتُ، فلماذا تضربني؟” (يوحنّا 18، 23). يسوع لم يتمثّل بمَن اعتدى عليه، لكنّه طالبه بالحقّ. هكذا نحن لن نتمثّل بالمعتدين، بل بيسوع وحده، “وإيّاه مصلوباً”.
كرامتنا تفرض علينا أن نرفض معاملتنا كأنّنا أهل ذمّة، وأليس في استعمال تعبير “أهل الذمّة” استكبار وطغيان وجبروت؟ نعم، نرفض أن نكون “أهل ذمّة الرسول”، أو “أهل ذمّة المسلمين”، أو “أهل ذمّة الله” وفق المفهوم الإسلامي… كما نرفض أن نكون “أهل ذمّة النظام”، أو “أهل ذمّة المعارضة”، أو روسيا أو أميركا… نحن لا نريد منّة أو صدقة من أحد. نحن أهل يسوع المسيح، ويسوع المسيح وحده.
يحكى أن مسيحيي بني تغلب رفضوا أن يُطلق عليهم مصطلح “أهل الذمّة”، ورفضوا أن يؤدّوا الجزية. وفي ذلك يقول الشيخ يوسف القرضاوي إنّ “نصارى بني تغلب من العرب طلبوا من عمر (بن الخطّاب) أن يدفعوا مثل المسلمين صدقة مضاعفة ولا يدفعوا هذه الجزية، وقبل منهم عمر، وعقد معهم صلحاً على ذلك، وقال في ذلك: هؤلاء القوم حمقى، رضَوا بالمعنى، وأبَوا الاسم” (الأقلّيّات الدينيّة والحلّ الإسلاميّ، ص 14). لا، هؤلاء القوم ليسوا حمقى، بل كرام النفس، فشهامتهم دفعتهم إلى رفض استعبادهم، بسبب اختلاف الانتماء الديني، لدى بني قومهم من العرب. وما يعتبره بعضهم “حماقة”، قد يعتبره بعضهم الآخر “رأس الحكمة”.
كرامتنا تكمن في “حماقتنا”. فنحن “حمقى”، لأننا نحلم بدولة مدنية عادلة يتساوى فيها المواطنون في الحقوق والواجبات. ونحن “حمقى”، لأنّنا نسعى إلى الخير في زمن يسود فيه الشرّ. ونحن “حمقى”، لأننا نحمل صليب السوريين كافّة… لأننا نؤمن أن “كلمة الصليب عند الهالكين حماقة، وأمّا عندنا نحن المخلَّصين فهي قوة الله… لأنّ حماقة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس” (كورنثوس الأولى 1، 18-25). نحن “حمقى”، نعم. لكننا لسنا أهل ذمّة.