يخفي الصمت في طيّاته الفهم والحكمة وعظمة الأفكار وغزارة التساؤل، أو يخفي الجهل وقلّة الإدراك… ولكنّ الصمت الحقيقي يظهر عمق الروحانيّة وقوّة الإيمان وعظمة الشفافيّة، كما في كتاب أخي الراهب الأنطونيّ الأب عادل الدكّاش المعنون “للصمت عيون”، الذي يجعلك تتفاعل مع فصول الحياة، ويدخلك في حيرة فكريّة، قبل أن يرتقي بك إلى حالة من الإستسلام بيد سيّد التاريخ.
على الرغم من ثورته الداخليّة على ذاته، يجبرك المؤلف، بقوّة الصمت، على الدخول إلى أعماق قلبه وفكره، عبر نظرته الإيمانية الطالعة من عينيه المليئتين بالحب والمحبّة، وهو القائل:” أتأرجح بين مدّ وجزر على شاطئ العمر بلا هويّة، شاخصًا صامتًا أمام المصلوب، مازجًا خمر عنقودي الطريّ بدم يديه ورأسه المكلّل بالشّوك…”.
تتمحور عناوين الكتاب حول شطحات روحيّة ووجدانيّة بنفس شعري… يدخل مضمونها إلى قلبك من دون إستئذان عقلك. وتدفعك جاذبيّتها إلى التفاعل التلقائي مع الكاتب، الذي يخطفك اسلوبه إلى أبعاد تتخطى المفهوم التقليدي للكتاب، ويضعك في حضرة صمته وحضوره، مخرجا إياك، عبر إنشاده “الداودي”، من قواعد اللغة إلى حالة الصلاة والتأمّل.
عناوين ثوريّة بكل ما للكلمة من معنى، مثل: طفل يبكي، ضفاف الحريّة، الثورة، الكهف، إعصار، طائر خارج سربك، بين الأرض والسماء، ومن ثم ينقلك إلى السلام مثل: إبن الله، الهيكل، حلم، نظرة، حنان الله، إبتسامة والأبديّة وغيرها وغيرها.
إنّنا أمام متنسّك مرهف، وكاهن واعد، وراهب مصلِّ وكاتب وزاهد…
قدّم الكتاب قدس الأباتي داود رعيدي رئيس عام الرهبانيّة الأنطونيّة المارونيّة، الذي قال: “ما أسمى الكتابة وأمنعها موئلًا للحريّة والتحرّر، وما أشرفها عندما تأتي بسبق صمت وتأمّل، وكلمات من دون كلمات، كما بذكر الكاتب ننطق بمشاعر صادقة، لا رياء فيها ولا مآرب، ولا تجريح، بل رفق ومحبّة ونيّة صافية…”.
إنّ باكورة الأب عادل تنبئ بالكثير الكثير… تعيدك إلى نشيد الأناشيد في الكتاب المقدس، جاعلة من الصوفية آنية حياة مجبولة بصمت السماء.
بالإنابة عن كلّ من قرأ أو سيقرأ هذا الكتاب، وبالأصالة عن نفسي، أقول للأب الدكّاش: “حافظ على صمتك، أغتنِ من أركان الحياة الرهبانيّة، واكتب… فنحن عطاش إلى السكون والسلام، وإلى ثورة مليئة بالفكر والثقافة والروحانية والقداسة”.
الرئيسية | أخبار الكنيسة | “للصمت عيون” كتاب جديد للأب عادل الدكّاش بقلم الأب بشاره إيليّا الأنطونيّ