عام 1917 وجّهت عذراء فاطمة في البرتغال نداء طالبةً التكرس لقلبها:
” قلبي الطاهر سيكون الملجأ و الطريق الذي يقود الى الله. ” أما لماذا القلب ؟؟ كان يطيب للأخت لوسيا، أحد رؤاة ظاهرة فاطيمة، التفسير التالي: ” جميعنا يعرف ما الذي يمثله قلب الأم في العائلة : انه الحب ، الذي يثق كل الأبناء به و يعرفون جميعهم أنهم سيجدون فيه المكان المفضل الحميم.”
إن فعل التكريس هو التأكيد ، عبر قلب الأم، على الالتزام الشخصي بمشروع الله الخلاصي للبشرية.
عبر التكرس تذكرنا مريم بالهبة الرائعة التي وهبنا إياها الرب في المعمودية: ومهما كانت أوضاعنا الإجتماعية أو خياراتنا المستقبلية تضعنا أمام مسؤوليتنا كمعَمّدين: أن يكون كل منا كاهناً ونبياً وملكاً!!! ف”الويل لنا إن لم نبشر” ونعلن ونعيش حقيقة بنوتنا للرب!!!
وبما أن القلب المنفتح على الله لهو الأقوى من كل ضيق نرى أن ثمار هذا التكرس تتراوح بين الحماية و الإنتصار على كل شر….
من الجدير بالذكر هنا أن البرتغال كان البلد الوحيد الذي استجاب نداء الأم السماوية أنذاك… و ما كانت النتيجة؟؟ لم تدخل البرتغال وحول الحرب العالمية الثانية!!! وعندما كان جنود هتلر على بعد عشرين كلم من الحدود، كان مسيحيو البرتغال يتضرعون الى عذراء فاطيمة و فعلاً: تلقى الجنود الأمر بالتراجع و لم يعد الجيش الألماني ليزعج بلدهم!!!
ومن المفيد أيضاً التذكير أن هذا النوع من التكريس أولاه البابا القديس يوحنا بولس الثاني أهمية كبرى. هو الذي صرّح في كنيسة (مريم الكبرى) أمام مجلس أساقفة إيطاليا أن “يداً أمومية سيّرت الرصاصة التي وُجّهت إليه بهدف قتله و منعته من إجتياز عتبة الموت”.و في الثامن من تشرين الأول سنة 2000 و بحضور ثمانين كاردينالاً و ألف و خمس مئة أسقف أوكل البابا القديس العالم بأسره لمريم. و ظلّ حتى وفاته يشدد المؤمنين و يحثّهم للسير بقلب مريم كجنود صلاة في عالم هو بأمس الحاجة الى حضارة المحبة!!
ليس بموضوع التكريس لقلب مريم أي سحر أو شعوذة إنما تسليم مؤمنين مسيرة حياتهم للرب المسيح بقلوب مريمية تجيد قول ال(نَعَم) التي لا بد أن تفيض نِعَم.
يجدد غبطة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، تكريس لبنان لقلب مريم الطاهر في الرابع و الخامس عشر من الجاري بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لهذا الحدث الإيماني المريمي. علنا نجد الرجاء في هذه الممارسة التقوية: فهي تهدف أن تغدو حياة كل مؤمن في هذه الربوع مِلكاً لله بشفاعة مريم. و في الزمن الذي فُقد فيه حس الخطيئة ووقع شرقنا بأتون من لا يعرفون الله و يعدمون بإسمه يأتي التكريس ليضعنا كمؤمنين على صدر الأم بالصلاة الدائمة و عيش الأسرار من أجل سمو شهادة المحبة: إنه التكريس الذي يستوجب حياة تقديس!!!
أنطوانيت نمور / زينيت