حصلت «الجمهورية» على وثائق ومستندات لـ «صفقات بيع 75 عقاراً عائداً لبطريركية الروم الملكيين الكاثوليك – الربوة، في مختلف المناطق اللبنانية»، ومتابعو هذا الملف يؤكدون أنها «تمّت من دون علم أعضاء السينودس المحلي».
نفهم أن يُضطرّ إنسانٌ معوز الى بيع أرضه لتسديد أقساط مدرسة أولاده أو شراء منزل أو تسديد فواتير مصرفية… لكن أن تُقدِم الطائفة الملكية الكاثوليكية على بيع مئات ملايين الأمتار في الفترة الممتدة بين عامَي 2002 الى 2013… حتماً فإنّ ذلك يطرح الكثير من علامات التعجّب والاستفهام حول الأسباب القاهرة التي تُجبر البطريركية المعنية على خطوات مماثلة، وعمّا اذا كان القانون العقاري يسمح ببيع أراض أو أملاك موقوفة للطائفة؟!
البيوعات بالأرقام
ويُظهر البيان التفصيلي عن بيع العقارات التي استلمتها «الجمهورية»، أنّ «45 عقاراً يقع في منطقة عبرا شرقي صيدا، موزّعة بين أملاك البطريركية ووقف مدرسة عين تراز. وقد انتهت ملكيّتها للطائفة في تواريخ متعدّدة بين 2005 و2013، أما مجموع عدد الأسهم التي بيعت فهو 532,807».
وتلفت الوثائق الى أنّ 15 عقاراً تم بيعه في قرنة شهوان في المتن الشمالي بين عامَي 2004 و2013، ومجموع الأسهم المباعة هو 36 ألف سهم، موزّعة الى 2400 سهم على كل عقار.
كما تشير الوثائق إلى بيع عقارين تابعين للبطريركية في نابيه (4800 سهم) وثلاثة عقارات في البوشرية (7200)، وثلاثة أيضاً في زقاق البلاط (قرابة المليونين و293 ألفاً و747 سهماً)، وعقار واحد في المصيطبه (2400)، وآخر في ذوق مكايل – كسروان (2400)، وآخر في حوش الأمراء – زحلة (2000)، وعقار (2400) بالاضافة الى وقف خيري تحت اشراف البطريركية وكلاهما في شرتون – عاليه ، وآخرين في عين تراز – عاليه (4800).
خلافاً للقانون
إلى ذلك، تذكر الوثائق أنّ «عمليات بيع الـ 75 عقاراً قد تمّت خلافاً للقانون العقاري الذي يحرّم بيع أراض أو أملاك موقوفة للطائفة ومن دون علم أعضاء السينودس المحلي»، ولفتت الوثائق الى أنّ «مستشارَ أحد المراجع السياسية النافذة وأحد الأساقفة تدخّلا جاهدَين لإسدال الستار على هذه القضية بحق الطائفة الملكية الكاثوليكية، وإسقاط الموضوع وطمس هذه الوقائع الثابتة».
وللاستفسار عن الموضوع، كان لـ «الجمهورية» حديثٌ مع القيّم البطريركي العام الأب الياس شَتَوي، الذي قال إنّ «ضميرنا مرتاح، ومَن يوزّع هذه المستندات «عامل من الحبّة قبّة».
ولفت الى أنّ «كل العقارات المذكورة بيعت للمسيحيين، وأيٌّ منها لم ينتقل الى أبناء الطائفة الاسلامية الكريمة كما يدّعون»، مؤكداً أنّ «عمليات بيع الأراضي في عبرا تمّت مع أبناء عبرا المسيحيين لتشجيعهم على التشبّث بأرضهم والاستملاك والسكن فيها من جديد».
وشدّد على أنّ «كلّ هذه البيوعات لما كانت لتحدث لو أننا لم نحظَ بموافقة وغطاء السفارة البابوية، فهناك تعميم صادر من الفاتيكان يُجَدَّد دورياً، بأننا لا نستطيع أن نتصرّف بأيّ شبر أرض من دون علم السفارة البابوية».
وإذ أكد الشتوي «إمكانيةَ البطريركية بيع عقارات تعود للوقف، وإلّا لما كان أمين السجل العقاري قد وافق على تسجيلها باسم الشارين»، أوضح «أنّ الوقف بمعنى «الوقف الذرّي» أي الذي يقدّمه المواطن للبطريركية باسمه واسم عائلته، هو الذي لا يصحّ للكنيسة بيعه.
ولكن حتى ذلك، يمكن أن تُلغى ملكيّته مع مرور الزمن»، كاشفاً عن أنّ «ناتج البيع اشترينا به عقارات في شرق صيدا، بينها تلّة 25 ألف متر، وهي منطقة مسيحية، كانت ستُباع لـ «حزب الله». أما في المتن، فلدينا مشروع سكني باسم البطريركية، بيعت شققه لمواطنين مسيحيين، والأمر سيّان في قرنة شهوان، حيث اشترى السكان الشقق منذ مدة طويلة، وجميعهم أولاد الطائفة، ولكنهم سجّلوها مؤخراً».
وأضاف: «كما أننا تمكّنا من خلال الأموال التي نتجت من عمليات البيع تمويل مركز الدراسات الإسلامية – المسيحية في مطرانية صيدا بحوالى 150 ألف دولار، علماً أنّ المبيعات في شرق صيدا لم تحصد أكثر من 500 ألف دولار. وقد تركنا داخل البطريركية 100 سهم حتى لا يتصرّف بها الشارون بحرية مطلقة ويبيعونها للأغراب».
وجدّد الشتوي التأكيد أنّ «كل الأموال استُعملت إما لشراء عقارات في مناطق الأطراف لتثبيت وجودنا المسيحي، وإما لتمويل مشاريع استثمارية في المنطقة»، مثل «تشييد كنيسة رعوية ومدرسة كاثوليكية في الربوة، وغيرها»، لافتاً الى أنّ «كل المستندات التي تثبت كلامي موجودة في البطريركية ومستعدون لكشفها».
بيعٌ لغير المسيحيين
غير أنّ «الجمهورية» تمكّنت من الحصول على أحد عقود البيع لعقار رقم 482 في منطقة زقاق البلاط تبيّن فيه أنّ وقف البطريركية باعه مباشرة الى المدعوّين: محمد عصام أبو درويش وبسام جمال الدين أسعد وابراهيم أحمد عيساوي، ما يناقض مقولة أنّ «البطريركية الكاثوليكية تبيعه فقط للمسيحيين».
كذلك، فإنّ المادة 174 من قانون الملكية العقارية الصادر في 12 تشرين الثاني عام 1930، تنصّ على أنه «لا يجوز بيع عقار للوقف ولا يجوز التفرّغ عنه لا مجاناً ولا ببدل ولا انتقاله عن طريق الإرث، ولا يجوز رهنه أو عقد تأمين عليه، غير أنه يمكن استبداله واجراء الاجارتين والمقاطعة عليه».
كتاب الوزير
وفي هذا الإطار، حصلت «الجمهورية» أيضاً على نسخة من كتاب بتاريخ 10 آذار الماضي، وجّهه الوزير السابق يوسف تقلا، بصفته محام، الى رأس كنيسة الروم الكاثوليك الملكيين البطريرك غريغوريوس الثالث لحام، أشار فيه إلى أنه «نُمي إلينا أنّ 75 قطعة أرض بيعت ونتساءل: «أين المال؟ ومَن سمح بالبيع؟»، وختم الكتاب قائلاً: «نعتبر أنه يمكنكم الجواب بمهلة أسبوعين، وإلّا اضطررنا لاعتباركم من هؤلاء الذين تآمروا على الطائفة واضطررنا آسفين، لإبلاغ صورة هذا الكتاب إلى أصحاب الشأن والى مجلس الطائفة الأعلى ولمراجعة القضاء المختص».
ولأنّ أيّ جواب لم يصدر عن البطريركية المعنيّة، وتنفيذاً لما أبلغه للبطريرك، سُرّبت لـ «الجمهورية» نسخة عن كتاب آخر أرسله الوزير تقلا في 29 آذار الماضي، الى عضو الهيئة العامة في المجلس الأعلى لطائفة الروم الملكيين الكاثوليك، يذكر فيه مضمون الكتاب الذي سبق أن وجّهه للبطريرك لحام، لافتاً الى أنه «بقي من دون جواب حتى اليوم».
ولفت في المذكرة الى «إنني قطعت وعداً على نفسي في 13 آذار، بعد أن طلب مني سيدنا جامبرت، مطران حلب، أن لا أعمد الى فضيحة، يقضي بأن لا أدخل العدلية حتى آخر شهر نيسان، شرط أن أتلقى جواباً على كتابي قبل هذا التاريخ».
وبعد مضيّ الفترة المحدّدة حتى نهاية الشهر الماضي، أكد تقلا لـ «الجمهورية»، أنّه لم يتلقّ أي جواب من البطريركية المعنيّة، «ما اضطرّني الى السير قدماً في هذا الملف الشائك، وقد رفعت دعوى قضائية ضدّها في محكمة جبل لبنان في الجديدة لدى القاضي فادي نشّار»، مشيرا الى أن «البطريركية قد تبلّغت الدعوى ولكن لم يصدر عن القيّمين عليها أي رد فعل».
باسكال بطرس
جريدة الجمهورية