” ويُشبِهُ مَلكوتُ السَّماواتِ عَشرَ عَذارى حمَلْنَ مَصابـيحَهُنَّ وخرَجْنَ لِلقاءِ العَريسِ. وكانَ خَمسّ مِنهُنَّ جاهِلاتٍ وخَمسّ عاقِلاتٍ. فحَمَلتِ الجاهِلاتُ مَصابـيحَهُنَّ، وما أخَذنَ معَهنَّ زَيتًا. وأمّا العاقِلاتُ، فأخَذْنَ معَ مَصابـيحِهِنَّ زَيتًا في وِعاءٍ. وأبطأَ العَريسُ، فنَعِسنَ جميعًا ونِمنَ. وعِندَ نِصفِ اللَّيلِ عَلا الصِّياحُ جاءَ العَريسُ، فاخْرُجْنَ لِلقائِهِ , فقامَتِ العَذارى العَشْرُ وهيَّأْنَ مَصابـيحَهُنَّ. فقالَتِ الجاهِلاتُ لِلعاقِلاتِ أعطينَنا من زَيْتِكُنَّ، لأنَّ مَصابـيحَنا تَنطفِـئُ. فأجابَتِ العاقِلاتُ رُبَّما لا يكفي لنا وَلكُنَّ، فاذهَبْنَ إلى البَــيّاعينَ واشترِينَ حاجَتَكُنَّ. وبَينَما هُنَّ ذاهباتّ ليَشترينَ، وصَلَ العَريسُ. فدَخلَتْ معَهُ المُستعِدّاتُ إلى مكانِ العُرسِ وأُغلقَ البابُ. وبَعدَ حين رجَعَتِ العَذارى الأُخَرُ فقُلنَ يا سيِّدُ، يا سيِّدُ، افتَحْ لنا, فأجابَهُنَّ العريسُ الحقَّ أقولُ لكُنَّ أنا لا أعرِفُكُنَّ. فاسهَروا، إذًا، لأنَّـكُم لا تَعرِفونَ اليومَ ولا السّاعَةَ”.
لماذا التشديد على عبارة ” عذارى”؟ لماذا لم تستبدل بعبارة الفتيات أو النساء؟ وهل العذرية تعني فقط الاناث ولا تعني الذكور؟ يبدو أنها شرطا أساسيا للدخول مع العريس الى البيت حيث العرس قائم واغلاق الباب، أي تأسيس عائلة ناجحة.
لقد أصبحت ” العذرية” حالة نادرة في مجتمعاتنا، لا بل أصبح من المضحك أن تكشف احدى الفتيات عن رغبتها في أن تبقى ” عذراء” حتى الزواج، قد يتهمها رفاقها بالرجعية، واصفين اياها بالتخلف والجهل.
ونرى أن الشباب يعيشون ازدواجية واضحة، من جهة يتسابقون على اظهار عدم عفتهم أمام مجموعات أصحابهم، يتشاوفون بكثرة علاقاتهم، وقد يضطرون الى الكذب اثباتا لرجوليتهم، ومن جهة ثانية يرفضون أن يكون أخواتهم البنات غير “عذارى”.. هم يحق لهم، أما هن فلا. وعند سؤلاهم عن ذلك ينتفضون ويحتجون أن الشاب غير البنت، يحق له ما لا يحق لها.
يسعى الشاب الى سرقة “عذرية” من يدعي أنه يحبها، واعدا اياها أنه سيبقى وفيا لها مهما كانت الظروف، وهي تقبل معه لانها تخاف أن تخسره، لكن سرعان ما ينهار كل شيء وتنهار تلك العلاقة المبنية على لذة الحواس الخمس .(خمس عذارى جاهلات).
وعندما يقرر الزواج يبدأ بالبحث عن فتاة ” ما حدا بايس تما غير اما ” طبعا سيجد صعوبة في ذلك، لأنه هو أيضا فاقد عذريته، فكيف له أن يحظى بفتاة “عذراء”؟ وان حظي بها سيلوثها بنفسه، لأنه سيكون مستحيلا عليه عيش الامانة الزوجية نفسا وجسدا.” قليلون اقتنوا بتولية الجسد لكن يليق بالكل أن يقتنوا بتولية الروح”(القديس أغوسطينوس).
اذا هل يستحيل على جيل اليوم أن يعيش ” العذرية”؟
لا بد من التفكير بالهدف الابعد “للعذرية” وهو الحب المكلل بالزواج، الذي يرمز له بالزيت، إذ يطفو على جميع السوائل. إن صبَبْت عليه ماءً يطفو الزيت….لأن “المحبّة لا تسقط أبدًا” (1 كو 13: 8). والزيت هو الذي يميز الجاهلات عن الحكيمات.
يشبه الثنائي الذي يطمح للزواج وتأسيس عائلة، شابا وفتاة يمشيان سويا على طريق بجانبها ساقية تتدفق مياهها من نبع غزير يطمحان بكل قوتهما أن يصلا اليه ليرتويا من مياهه العذبة طوال أيام حياتهما. لكن يكتشفا أن الطريق طويل وقد تعبا من السير وعطشا، وسقسقت المياه الجارية في “الساقية” تدغدغ مخيلتهما… ان توقفا وشربا من مياه الساقية ماذا سيحل بهما؟ أولا سيرتويان من المياه الملوثة، وثانيا سيفقدا الرغبة شيئا فشيئا في اكمال المسير للوصول الى النبع.
يمشي الثنائي على دروب الحياة، هدفهما واحد وهو أن يصلا الى النبع، أي الى عرس الحب وفي نفس كل منهما رغبة قوية في الاخر. اذا صبرا ولم يستسلما لشهوات الحواس حتما سيتحملان عطشهما وسيكون لديهما القدرة على اكمال المسير للوصول الى الزواج بالسرعة لا بالتسرع، وسيرتويان من نبع الحب الذي لا ينضب أبدا، بنعمة العريس السماوي الذي سيكون ثالثهما في بيتهم الزوجي.
أعطنا يا رب حكمة العذارى اللواتي حافظن على زيتهنّ رغم كل التحديات والإغراءات وظروف الحياة و”حمَلْنَ مَصابـيحَهُنَّ وخرَجْنَ لِلقائك” أيها العريس السماوي، وإذا أتيت في مجدك، وفِي ساعةٍ لا نعلمها، تكون مصابيحنا ممتلئة من نعمتك، فنستحق التمتع برؤية وجهك القدوس إلى الأبد. آمين.
أليتيا