الأقنعة…
غالبيتنا تختبىء وراءها…
تتعدد أسباب إرتدائها. لكن لنسبة كبيرة منا: فإنّ السبب الرئيس هو الخوف: إمّا من رفض الآخرين…. آخرين في الغالب نريد كسبهم أصدقاء أو أحباء أو حلفاء…. أو خوف من تجدد أذى تعرضنا له، خلق في داخلنا قلة ثقة تتوارى وراء قناع من قوة وشراسة.
و لكن مهما كانت الأسباب، كم هو مهم أن نقف أمام ذواتنا دون قناع … إيانا أن نجعل وجوهنا تلتصق بأقنعتنا لدرجة أنها تصبح جزءاً من جلدنا!! وفي عمقنا، نعلم أنّ الله يرانا، كما نحن تماماً!! تحت كل الأقنعة التي نمتهن إرتداءها: هو يرانا. يقول أحد الحكماء أننا نظن أنّ الله يرانا من فوق ولكن الحقيقة أنه يرانا من الداخل.
فحبذا لو نقف أمام ذواتنا ونراها كما يراها الله. هناك سنواجه حقيقتنا والأهم أنه بالرغم من تشوّهاتنا سنعرف أننا منه محبوبين !! في هذا القبول بالذات سنستطيع أن نقبل ذواتنا. وبما أنّ الحب لا يتركنا في شقاء الذل، هو بعد أن يقبلنا و يغمرنا، يرفعنا !!!
حب الله هو النور الذي فيه ينكشف الداء والدواء معاً! وحقيقتنا لا نستطيع مواجهتها إلا على نور حب الله فهو يقبل برصنا و يداويه!!
فلنقف أمام ذواتنا ونعطيها بعض الوقت في استكشاف لماذا نرتدي القناع.
مما أنا خائف؟ لما يرتديني قناع من أذى، أو مغالاة….؟؟؟ و على نور حب الله فلنبحث عن طرق صحية للتخلص من هذه… هل أخفي ذنباً؟ فلأذهب الى الإعتراف و ملئي الثقة برحمة الله التي تخلقني من جديد بصورة بهية لا تحتاج أقنعة لتخفي قبحها. هل أخفي جرحاً؟ فلأتحدث إلى الله بصدق في صلاة، و لما لا أطلب مساعدة مختص أو أتحاور مع شخص حكيم موثوقٌ به ، أو أكتب مشاعري في مذكرات خاصة أو في قصيدة…. فلأكتشف ما يناسبني لأرمي بعيداً أقنعة تؤلمني …أقنعة بت لا أستطيع أن أسعد وراءها ولا أستطيع أن أمضي دونها….
تذكر الكنيسة قديسة شهيدة وفيلسوفة متميّزة لم تخف من البحث عن الحقيقة ولم ترض أن تمكث وراء أقنعة. أديت شتاين اليهودية المنشأ، مرت بإلحاد في بحثها الطويل عن الحقيقة .فلم يأسر قلبها ولا عقلها دين إلا بعد أن خبرت الحياة وسبرت أغوار الحقيقة من كل الجهات. في إعلانها إيمانها بالمسيح، كان قد إتضح لأديت أن لكل منا “صليب”، وإذا كان الدين – كما يدعي الإلحاد- هو طرح فانتازيا و ليس أكثر من ” تنهيدة المتألم ” فلما يخترع هذا الأخير إله يتألم و يموت، و يزيد على بؤسه بؤسا ؟؟؟ شتاين التي خالطت كبار عمالقة الفكر الفلسفي الألماني طوال سنوات خلال تحضيرها أطروحتها، وخلال عملها كمحاضرة لما يقارب العشر سنوات، أدركت أنه مع المسيح يسوع إنقلبت المقاييس و أصبح الألم سلماً إلى السعادة. و هذا هو العالم الجديد الذي يدعونا إليه إله المحبة : عالم لا ينكر الحقيقة بل يحوّلها من حالة اللعنة الى حالة النعمة.
و عندما فهمت اديت أن المسيحية لا تستطيع أن تكون “أفيون” مؤمنيها لأنها صراع دائم بين المسيح وبين أنانيتنا ، أخذت تتبلور أمام ناظريها الحقيقة … لتعلن فتقول : “كان لقائي الأول بالصليب و بالقوة الإلهية التي يمنحها لمن يحملونه…. في تلك اللحظة إنهار عدم إيماني و شحبت يهوديتي و تلألأ المسيح : المسيح في سر الصليب.”
نعود للأقنعة.
كان من السهل على أديت أن تختبىء وراء كثير منها، و تعيش مسيحية ظل أو ان تنكر أصولاً يهودية كانت السبب في إستشهادها عندما قرر هتلر تصفية المسيحيين من أصول يهودية. و لكنها بحثت طويلاً عن اللؤلؤة الثمينة التي هي الحقيقة، و لن ترضى البتة بأن ترميها!! إستشهدت أديت و من جملة ما تركت من إرث فكري – إيماني، توصية صغيرة لكن ذات معانٍ كبيرة:
” كما تكون أمام عين الله كذلك كن أمام نظر خلق الله!”
زينيت