منذ أكثر من ألفي سنة والمسيحيّون يناضلون ليتقبّلوا المبادرة الثورية التي قام بها يسوع لدى غسله أرجل تلاميذه، خاصة مع تركيز البابا فرنسيس على هذه البادرة في أعماله وفي كتاباته مؤخراً. وبحسب مقال أعدّه توماس أولافلين ونشره موقع catholicherald.co.uk الإلكتروني، فإنّ الأب الأقدس لفت انتباه الإعلام برمّـته عندما غسل أرجل رجال ونساء في سجن للأحداث خلال أوّل خميس أسرار له كبابا، وتابع إصلاحه المختصّ بهذا الموضوع هذه السنة لمّا أصدر قواعد جديدة تصرّ على ألّا يقتصر غسل الأرجل على الرجال فقط. وهذا الأسبوع، سيبدأ العمل لأوّل مرّة بالقاعدة الجديدة حول العالم. لكن ما هي أصول غسل الأرجل وخلفيّته؟
بالنسبة إلى من كان يمضي يومه منتعلاً الصندل على الطرقات المليئة بالغبار قبل وجود التعبيد، فلا شيء يضاهي فرصة غسل الأرجل بعد يوم مؤلم للرجلين والظهر، بل إنّ الأفضل من ذلك كان يقتضي وجود من يغسلهما له. أمّا الأدب القديم فمليء بالتلميحات حول غسل الأرجل، إلّا أنّه يكفي ذكر مثل من سفر التكوين 18 حيث يزور الرب إبراهيم بشكل ثلاثة رجال، فيبادر إبراهيم إلى تدبّر غسل أرجل الزوّار.
إلّا أنّ غسل رجلي شخص آخر كان يُعتبر أحقر عمل ضمن منزل ما، بحيث كانت أصغر “عبدة” تؤدّيه. من هنا نفهم كم شكّل عمل يسوع صدمة لتلاميذه، خاصة بالنسبة إلى القديس بطرس الذي اعترض على ذلك. وليس غريباً أن يرى التلاميذ غرابة في الأمر، بما أنهم كانوا يرون أنفسهم أقلّ شأناً من سيّدهم ومعلّمهم.
وإن وصلنا في قراءتنا إلى أيامنا هذه، نرى أنّ العديد من العلاقات المتوتّرة وُجدت في الكنيسة منذ نشأتها، بما أنّ الكثير ممّن كانوا ضمن علاقة السيّد/العبد اضطرّوا إلى تقبّل فكرة كونهم “إخوة متساوين” وأبناء لله. فما كان من البابا فرنسيس إلّا أن شدّد على هذه النقطة عبر غسل الأرجل في سجن للأحداث وفي مأوى للعجزة وصولاً إلى مركز للاجئين هذه السنة، في محاولة لكسر جميع حدود الطبقات والفئات. وقد أصبح غسل الأرجل حدثاً أسبوعياً اعتيادياً لدى بعض الرهبانيات، في حين يؤدّيه البعض الآخر مرة في السنة، ويراه قسم ثالث كلوحة تحاكي “العشاء السرّي”، يؤدّيها 12 رجلاً مع أسقف.
يبقى القول إنّ الأبحاث الجديدة التي أجريت على إنجيل يوحنا وممارسات الكنائس الأولى وكيفية تشكيل الليتورجيا قد أدّت إلى إعادة اكتشاف غسل الأرجل، والذي بدأ يُعتبر أهمّ من “مسرحية” أو من بادرة أشخاص مهمّين نحو الأقلّ شأناً منهم. إنّ غسل الأرجل عمل يتضمّن شعب الله ويتكلّم عنه. علينا جميعاً أن نتعلّم أن نرى الخدمة المتبادلة، كما العناية والرحمة اللتين تشكّلان جوهر ما يُطلب منّا أن نكون عليه.
Zenit