تذكّرت حادثة تعود الى حقبة عملي التطوعي في المجلس الرسولي العلماني التابع لمجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان. كان يرأس المجلس آنذاك المطران حبيب باشا رحمه الله. واثناء إحدى الخلوات السنوية، تم الاتفاق قبل جلسة التعيينات على معظم الاسماء لترؤس اللجان، ولفتني انها جاءت كلها لموارنة باستثناء واحدة للروم الكاثوليك، فلا ارمن ولا سريان ولا لاتين. وسجلت اعتراضي، لكن المطران باشا لامني على هذا المنطق.
تذكرت تلك الحادثة وأنا استمع الى معاناة الكلدان العراقيين. نحو 3500 عائلة كلدانية هجرت العراق ولجأت الى لبنان المقصد وهي لا تفكر في الاستقرار فيه، لانه لم يعد الهدف المنشود لكل طالب حرية وعيش رغيد، كما كان سابقاً في ستينات ومطلع سبعينات القرن الماضي، بل قبل ذلك بكثير عندما وصل اليه الارمن واستقروا فيه، ومثلهم سريان وكلدان وأكراد وأشوريون.
الرابط بين الحادثة الاولى والوقائع المستجدة، هو طائفة هؤلاء. فالكنيسة في لبنان مارونية بامتياز، ونحن نقر لها بذلك على الصعيد السياسي، ونوافق على ان “مجد لبنان اعطي لسيد بكركي” في الشأن الوطني، خصوصاً أنّ معظم بطاركة الشرق الباقين هم من الجنسية السورية، وقد أحبوا لبنان، ونالوا جنسيته، إلا ان ارتباطهم بمسقطهم يبقى وثيقاً وأعلى مرتبة خصوصا عندما تتضارب مصالح الدول، وهذا حق لا اعتراض عليه.
لكن كنيسة لبنان، المارونية تحديداً، التي تحضن كل المؤسسات المشتركة، من مجلس بطاركة الشرق، الى مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك، الى كاريتاس ومثيلاتها، مسؤولة بشكل كبير عما يؤول اليه وضع المسيحيين في لبنان والشرق. واذا كانت الكنيسة غير قادرة على التأثير في الوقائع السياسية، والتغيير في المجريات العسكرية، فانها قادرة حتما على رعاية شؤون الناس في محنتهم. فالكلدان مثلا في لبنان لا يجدون مستشفى ولا مستوصفاً متقدماً يعالج امراضهم، ولا قدرة لديهم على دفع مصاريف الطبابة. وثمة الفا ولد في سن الدراسة يلزمون منازلهم لأن البرامج التربوية أُعدت لسوريين وليس للعراقيين. والعديد منهم صار أسير سجون الأمن العام لأنهم لم يسووا اوضاع اقامتهم، ولا من يدفع كفالة لإطلاقهم ومعالجة مشكلتهم، بعدما باتت مطرانية الكلدان في لبنان عاجزة عن توفير المال للقيام بكل الاعباء المطلوبة. وحال الاشوريين اللاجئين ليست افضل من حال الكلدان، على رغم قلة عدد هؤلاء، لان كنيستهم أشد فقراً ولا موارد لها اطلاقاً.
في جانب آخر، اعرف ان كثيرين من أبناء زحلة انتقدوا المطران عصام يوحنا درويش الذي أنفق الكثير من مال المطرانية على لاجئين سوريين لجأوا الى عروس البقاع. وقلت لاصدقاء من الزحليين: كرامة الناس وسد حاجاتهم أهم من المال الذي يصرف، خصوصا اذا كان المطران يجيد تأمين البديل منه اضعافاً.
فهل مَن يتحرك لقيامة هؤلاء اللاجئين فلا يمضوا ايامهم ولياليهم صلباً مستمراً؟
النهار