من دون الروح القدس لا يمكن المرءُ أن يفهم يسوع . لم يظهر في أيّ مكان آخرَ ما ظهر في حياته من حضور روح الله الذي نسمّيه الروح القدس . يقول كتاب youcat (التعليم المسيحيّ الكاثوليكيّ للشبيبة) : ” الروح القدس هو الذي صوّر يسوع في حشا مريم العذراء (متى 1 : 18 ) ، وأعلنه ابنا حبيبا (لوقا4 : 16 -19 ) وقاده (مرقس 1 : 12 ) وأحياه حتى النهاية (يوحنا 19 : 30) . بعد قيامته ، وهبَ تلاميذه الروح القدس (يوحنا 20 : 22) . بذلك انتقل روح يسوع إلى الكنيسة ” كما أرسلني الآب ، أرسلكم أنا أيضا ” (يوحنا 20 : 21) .
يقول البابا فرنسيس : ” من يعرّفنا بأنّ يسوع هو ” كلمة ” الحق ، ابن الله الآب الوحيد؟ يعلّمنا القدّيس بولس أنه “لا يستطيع أحدٌ أن يقول : “يسوع ربٌّ “، إلا بإلهام من الروح القدس” (1 قور 12 – 3) . إن الروح القدس عينه ، عطيّة المسيح القائم من الموت ، هو الذي يعلمنا الحق ، ويسوع يدعوه “البارقليط” أي “الذي يأتي لمعونتنا”، فهو إلى جانبنا ليعضدنا في مسيرة المعرفة هذه ، وخلال العشاء الأخير ، يطمئن يسوع تلاميذه قائلاً أن الروح القدس سيعلمهم كل شيء ويذكرهم بجميع ما قاله لهم (راجع يوحنا 14، 26) .
كيف كان شعور يسوع بنفسه ؟ الرسالة إلى العبرانيّين عن يسوع : ” أنه شبيهٌ بنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة ” (عب 4 : 15) . قال آباء المجمع الخلقيدونيّ ، إنّ الطبيعة الإلهيّة والطبيعة الإنسانيّة كانتا ، في يسوع ، من دون إختلاط ومزج ، وإنه من الصعب على كثير من المسيحيّين أن يقبلوا بالمسيح إنسانا حقيقيّا بكلّ ما فيه من حدود وضعف تمتاز بها البشريّة . كم من المسيحيّين لا زالوا يتصوّرون يسوع إنسانا بالجسم فقط ، وإلها من الباطن كأنّ الله أخذ فيه مكان ” النفس ” البشريّة ! . الابن يكشفُ الآب ويعطي الروح . الكشف هو ” معرفة ” ، والعطاء هو ” حبّ . شعور يسوع كان يتطوّر وينضج إنطلاقا من خبرته ولقاءاته وصلواته . وسار يسوع في اكتشافه لحقيقة مسيرتنا أي يتلمّس في كلّ خطوة طريقة يتأرجح بين الشكّ واليقين وحتى قدرته في الأعاجيب كان هو بنفسه يتعجّب منها .
في أعماق يسوع ، بلا شكّ ، شعور عميق ، لكنه شعور غامض لا يمكنه تحديده بالضبط ، شعور فريد من نوعه يعبّر عنه بسكوته حينا وبأعماله أحيانا أخرى ، إنه شعور بإنتمائه إلى الله . إنّ الأناجيل لا تفصح عن مدى شعور يسوع هذا بإنتمائه إلى الله ، إذ ليس المهمّ شعور يسوع بنفسه ، بل شعوره بالله ، أو بالأحرى شعوره بحبّ الله به . كان يسمّي نفسه ” الابن ” ، وستكشف القيامة حقيقة بنوّته ، لكن خلال حياته ماذا كان مدى معرفته ؟ سيظلّ هذا السؤال غامضــــا بالنسبة إلينا . إنه يتعلّق بسرّ يسوع الشخصيّ . وهنا تصمتُ الأناجيل ولا جواب جاهز فيها .
سيكون الروح القدس كاشفا لسرّ المسيح في ” الأسرار المقدّسة ” . ستكون الأسرار في الكنيسة وفي حياتها علامة حضور فعّال للمسيح فيما بيننا . فالعلامات الحسيّة للأسرار تُظهر ” توقيع الله ” ، الذي يكلّم الإنسان بكلّ كيانه ، وليس فقط بفكره وحده . ” الأسرار هي عطايا المسيح لكنيسته . ومن واجب الكنيسة أن توزّعها ، وأن تحميها من كلّ ” توظيف ” تعسّفيّ ” (تعليم الكنيسة الكاثوليكيّ ) .
الأسرار هي لقاءٌ مع المسيح وهو سرّها الأصليّ . بقوّة الروح الحقّ الروح القدس ، الله حاضرًا بكلمته (يسوع المسيح ) في العالم ، من خلال الأسرار المقدّسة .
بقلم عدي / توما