بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، تطلق مؤسسة مهارات تقرير “حرية الانترنت في لبنان-٢٠١٨”، دراسة جديدة لمؤسسة مهارات ترمي من خلالها الى مراجعة واقع هذه الحرية لناحية تأمين الوصول الى الانترنت، حماية حرية التعبير وتداول المعلومات على الانترنت، حماية الخصوصية، وحوكمة الانترنت، وذلك بعد ثلاث سنوات على تقريرها الاول عام ٢٠١٥. تهدف الدراسة الى مراجعة التقدم المحرز او التراجع في القطاعات الاربعة التي شملتها الدراسة السابقة.
اعتمدت منهجية الدراسة الحالية على تحديث المعلومات الواردة في التقرير الاول عبر مراجعة المعلومات المنشورة او المتاحة في هذا المجال واجراء مقابلات مع اصحاب الخبرة في مجالات الاتصالات والتكنولوجيا والقانون والحوكمة والخصوصية.
اختفاء خطة وزارة الاتصالات2020!
يتبين من متابعة موضوع “تأمين الوصول الى الانترنت” غياب استراتيجية موحدة لادارة هذا القطاع وعدم استمرارية عمل الوزارات المتعاقبة اذ ان خطة 2020 التي كان قد أطلقها وزير الاتصالات السابق بطرس حرب، قد اختفت ولم تعد قائمة وتبعتها خطة لوزير الاتصالات الحالي جمال الجراح قائمة على التلزيمات بالرغم من الجدل حول قانونيتها لاسيما بعد صدور قرار مجلس شورى الدولة ببطلان التلزيم لاحدى الشركات (GDS). كما ان الخطة الحالية لا تحتوي على أية رؤية واستراتيجية بل تقوم على تلبية الاحتياجات الحالية.
مسألة تلزيم الوزير الجراح مد شبكة الالياف الضوئية الى شركات خاصة طرحت تساؤلات كثيرة يشكل خصخصة مقنعة لشبكة الالياف الضوئية من خارج اطار قانون الاتصالات، لاسيما ان “أوجيرو” أثبتت عملياً قدرتها على تنفيذ المشروع، بحسب الهيئة، فإنها “نفذت نحو 90 في المئة من مشروع إيصال الألياف الضوئية للمؤسسات في المدن (وزارة الدفاع، مصارف، مؤسسات رسمية وشركات كبرى…)، فضلاً عن إنجاز إيصال الألياف الضوئية التي تربط الـ285 السنترلات في مختلف المناطق اللبنانية، فيما تبقى مرحلة ايصال الألياف الضوئية إلى المنازل في جميع المناطق اللبنانية، وهي المرحلة التي هي قيد التنفيذ اليوم.
تبين فضيحة الانترنت غير الشرعي فوضى ادارة القطاع واستغلال القضايا المرتبطة به لمآرب واغراض سياسية، اذ ان الانترنت غير الشرعي لطالما كان معروفا من كل الافرقاء لاسيما ان وزير الاتصالات اقر بذلك صراحة بعد جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 7 حزيران 2017، الجلسة التي أقر فيها تخفيض اسعار الانترنت بما فيها اسعار الـE1 من 240 دولار إلى 165 ألف ليرة اي تخفيض الاسعار بنسبة حوالي 54%، واقر الوزير الجراح ان السعات كانت متوفرة في الوزارة “لدينا كميات كبيرة كانت مخبأة لا تباع لأحد تحت شعار أنها غير موجودة، وذلك لتسهيل عمل الإنترنت غير الشرعي.”
تؤكد وزارة الاتصالات وهيئة اوجيرو على تحسن خدمة الانترنت والزيادة في السرعات، ويشير مؤشر اختبار سرعة الانترنت العالمي التابع لـ OOKLA الى تقدم لبنان من المرتبة 174 الى 127 بسرعة تنزيل 5.24 ميغابيتس في الثانية مقابل 42.71 المعدل العالمي للبرودباند الثابت. ولكن لا يرقى هذا التحسن الى المستوى المطلوب لجعل لبنان مركزا للاقتصاد الرقمي.
والجدير ذكره، انه على الرغم من القدرة المتاحة للبنان من خلال الكابلين البحريين “الكسندروس” و”IMEWE” ، حيث تصل سعة “IMEWE” الدولية الى 1.5 TB، اما الكابل ” الكسندروس” تصل فيه السعة الى 500 GB، ويتم تطوير الكابلين لتصل سعة كل منهما الى 3 TB ، وهذا التطوير سيتم الانتهاء منه في نهاية 2018، الا انه ما زالت الشبكات الداخلية غير مؤهلة لزيادة سرعة الانترنت. هذا فضلا عن العوائق التي تعترض مد شبكة الالياف الضوئية لاسيما ان التلزيم الى شركات خاصة يبقى موضع السؤال، لاسيما ان “أوجيرو” أثبتت عملياً قدرتها على تنفيذ المشروع.
كل هذه التحديات تظهر ان المعوقات ما زالت تعترض تأمين الوصول الى الانترنت بسرعة وجودة وكلفة موازية للمواطنين.
في نهاية العام 2017 أعلن مدير عام “أوجيرو” عماد كريدية عن جدول زمني لإدخال تحسينات على شبكة الإنترنت في لبنان، متوقعا بحلول نهاية عام 2018 ، أن يكون 85 في المائة من مستخدمي الإنترنت في لبنان يتمتعون على الأقل بـ 50 ميغابت في الثانية واكد كريدية انه لن يتم الانتهاء من مشروع الالياف الضوئية حتى الربع الثالث من عام 2019.
غير ان هذا الموعد بانهاء شبكة الالياف الضؤية بنهاية ٢٠١٩ تغير الى ربيع ٢٠٢٢ بحسب ما اعلن كريدية خلال حفل اطلاق تحديث خطة “أوجيرو” في 13 شباط 2018.
ويعرف هذا المشروع بالمرحلة الثانية من شبكة الفايبر أوبتيك التي بدأت أيام كان شربل نحاس وزيراً للاتصالات ولزّم إنشاء المرحلة الأولى التي تتضمن مدّ الشبكة الاساسية في كل المناطق اللبنانية.
ويمتد تنفيذ هذه المرحلة الى مدى اربع سنوات حتى ربيع 2022 .
لم يسجل اي تقدم في حماية التعبير على الانترنت، اذ لم يطرأ اي تبدل على دور مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية والاجهزة الامنية والقضائية في استدعاء ناشطين وصحافيين وتوقيفهم على خلفية التعبير على الانترنت. كما لم يقر مشروع قانون الاعلام الذي يضمن حرية الانترنت كحق أساسي لكل مواطن.
لا زال قانون الاعلام الجديد ينتظر اقراره في مجلس النواب، فبعد الانتهاء من مناقشته في لجنة الاعلام والاتصالات، تم تحويله الى لجنة الادراة والعدل، ولكن حتى اليوم لم يناقش القانون في هذه اللجنة بإنتظار انتهاء الانتخابات النيابية وتشكيل مجلس نواب جديد.
ويقضي اقتراح القانون بإلغاء عقوبة الحبس والتوقيف الاحتياطي والتحقيق والاستدعاء الى مخافر الشرطة للتحقيق في جميع قضايا النشر التقليدية او الألكترونية وإنفاذا لذلك لا يجوز للنيابات العامة او الضابطة العدلية مباشرة أي تحقيق مباشرة مع المدعى عليه أو الإستماع إليه أو إحتجاز حريته في جرائم النشر وإنما فقط يمكنها الإدعاء عليه مباشرة امام المحكمة المختصة. كما انه يمكن للمدعى عليهم على سبيل المثال لا الحصر، سواء الصحافيين او المدونين او الناشطين على مواقع التواصل او الخطباء في نشاطات عامة او الذين يرفعون شعارات اية حملة، عدم الحضور شخصياً الى المحاكمات التي تساق بوجههم وان يتمثلوا بموجب محام ما لم يقرر القاضي أو المحكمة حضورهم الشخصي.
يذكر ان مهارات والنائب غسان مخيبر بعثا رسالة مشتركة الى لجنة الاعلام والاتصالات تتضمن بعض الاعتراضات على التعديلات التي اقرتها اللجنة ومنها ما يتعلق بتعريف الصحافي ووسائل الاعلام المرئي والمسموع، والنشرة الاعلامية الاكترونية المهنية، والتراخيص الممنوحة لوسائل الاعلام المرئي والمسموع، والرقابة، اضافة الى احكام جرائم النشر.
الانتهاكات المرتكبة ضد الحريات
لا يوجد قانون يحمي الناشطين وحرية التعبير بواسطة الانترنت على غرار قانون المطبوعات الذي يؤمن حماية جزئية للصحافيين المسجلين في الجدول النقابي للصحافة من التوقيف الاحتياطي والخضوع للتحقيق في مخافر الشرطة. اضافة الى عدم مراعاة قضاة النيابة العامة لمبدأ ضمان حرية التعبير بواسطة الانترنت كحق مكفول في المواثيق والمعاهدات ومقدمة الدستور اللبناني والمادة13 وتمييزه عن الجرائم الاخرى الجزائية التي قد ترتكب بواسطة شبكة الانترنت. هذا الامر جعل من واقع قمع حرية الناشطين عبر مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي يفرض نفسه في الاعوام الاخيرة عبر تنامي دور مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية التابع لوحدة الشرطة القضائية في المديرية العامة لقوى الامن الداخل. هذا المكتب المُنشأ بصورة مخالفة للقانون، وهو يقوم بإستدعاء وترهيب الناشطين والصحافيين عبر اخضاعهم للتحقيق لساعات طويلة والزامهم على توقيع “تعهد الصمت” بعدم التعرض للأشخاص مجددا في كتاباتهم كشرط اساسي لإطلاق سراحهم. وتشكل ممارسات هذا المكتب خرقا فاضحا لحرية الرأي والتعبير المكفولة في الدستور والمواثيق والمعاهدات التي التزم لبنان في تنفيذها والتي تعتبر جزءا من القوانين النافذة والواجب مراعاتها.
أصدرت شركة “لوك أوت” المتخصصة في أمن الهواتف المحمولة ومؤسسة “إلكترونك فرونتير” المعنية بالحقوق الرقمية تقريرا مشتركا مفاده ان المديرية العامة للأمن العام في لبنان قد تكون مسؤولة عن هجمات التصيد وغيرها من الحيل لدفع الضحايا لتحميل إصدارات مزيفة من تطبيقات الرسائل المشفرة، مما يتيح للمهاجمين السيطرة الكاملة على أجهزة المستخدمين. ووفقا للباحثين، كانت الآلية المستخدمة بسيطة واستهدفت الهواتف الذكية لآلاف الأشخاص.
غير ان هذه القضايا لم تستدع تحرك اي جهاز رقابي او تشريعي او حكومي او قضائي، ما يعد مؤشرا على ضعف آليات المحاسبة وعدم ايلاء اهمية لموضوع خصوصية المواطنين وحماية بياناتهم الشخصية، فضلا عن عدم شفافية الاجهزة الامنية في مواضيع تتعلق بالحصول على بيانات المواطنين خارج الآليات القانونية.
انتهت النقاشات في اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة الموكلة درس اقتراح قانون المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي في 14 اذار 2018، وارسل مشروع قانون المعاملات الالكترونية معدلا الى الهيئة العامة من اجل اقراره. يتضمن القانون تعديلات اساسية عن النسخة الاولى التي ارسلت الى مجلس النواب في العام 2012.
طالت التعديلات كيفية حماية البيانات ذات الطابع الشخصي ودور مزودي خدمات الانترنت في هذه الحماية من تصنيف وتخزين وادارة “الداتا” لمدة عامين تسري من تاريخ تقديم الخدمة.
القانون مقاربة شمولية للمعاملات الالكترونية، ويتضمن في بابه الخامس حماية البيانات ذات الطابع الشخصي، التي تشمل حالات جمع البيانات ذات الطابع الشخصي ومجال تطبيقه، وصولا الى الاجراءات المطلوبة لوضع البيانات قيد التنفيذ، اضافة الى كيفية معالجة هذه البيانات، وحق الوصول الى قاعدة البيانات العامة من اجل التصحيح في حالة وجود اي خطأ فضلا عن وجود احكام جزائية تحمي هذه المعلومات.
حكومة الانترنت
تشكلت عام 2017 اللجنة الاستشارية لاصحاب المصلحة المتعددين لتنظيم المنتدى اللبناني الاول لحوكمة الانترنت. يعد تشكيل هذه اللجنة خطوة ايجابية يضع لبنان على الخريطة العالميةللحوكمة اذا ما نجحت اللجنة بتنظيم المنتدى الاول المنتظر في خريف 2018. في حين تضمن اقتراح قانون المعاملات الالكترونية نصوصا تتعلق بادارة اسماء النطاقات من قبل اصحاب المصلحة، ما يعد خطوة ايجابية نحو حوكمة الانترنت من اصحاب المصلحة الممتعددين، في حال اقر القانون المقترح.
منتدى حوكمة الانترنت اللبناني
يشهد لبنان تطورا في مجال حوكمة الانترنت وقد سجل تشكيل اللجنة الاستشارية لاصحاب المصلحة المتعددين في أيلول 2017، ومن مهامها التحضير للمننتدى اللبناني الاول لحوكمة الانترنت في نهاية العام الحالي 2018.
يذكر ان المنتدى اللبناني لحوكمة الانترنت هي مبادرة وطنية ترمي الى فتح النقاش حول قضايا حوكمة الانترنت في لبنان بين اصحاب المصلحة المتعددة الذين يمثلون القطاع العام والخاص والاكاديميا والمجتمع المدني. كما ان هذه المبادرة تندرج في اطار المبادرات الاقليمية والمحلية لمنتدى حوكمة الانترنت العالمي.
اسماء النطاقات .lb
تعود اليوم ادارة اسماء النطاقات .lb الى مجموعة من المتطوعين وذلك بسبب تعثر انشاء “المركز اللبناني للانترنت”.
وتضمن اقتراح قانون المعاملات الالكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي بنسخته المعدلة بنودا تتعلق بادارة اسماء النطاقات .lb، اذ تم اقتسام الادارة بحسب اقتراح القانون بين اصحاب المصلحة من جهة “نقابة محامين ووزارة الاتصالات، ومزودي خدمات الانترنت، وغرفة التجارة، وزارة المالية”، ووزارة الاقتصاد من جهة اخرى.
تأتي هذه البنود في ظل تعثر انشاء “المركز اللبناني للانترنت” الذي لم يتم حتى اليوم منحه العلم والخبر، وكان سيناط به ادارة اسماء النطاقات .lb. ويتكون “المركز اللبناني للانترنت” من مجموعة من ممثلي الجهات المختصة في مجال الانترنت مثل وزارة الاتصالات والاقتصاد والجمعيات المختصة في قطاع الانترنت، اضافة الى مزودي الخدمات وغرف التجارة والصناعة ونقابة المحاميين. ولكن لم يتمكن من الحصول على العلم والخبر من وزارة الداخلية منذ اكثر من ثلاث سنوات بسبب “الفيتو” المفروض في حينها من وزير الاتصالات السابق بطرس حرب، الذي تحفظ على ادارة اصحاب المصلحة للنطاقات على الانترنت، واكد ان الصلاحية يجب ان تكون بيد وزارة الاتصالات مما عطل انشاء “المركز اللبناني للانترنت”.
http://maharatfoundation.org/internetfreedom#id1
مهارات