ليس المقصود هنا النار التي تحرق الاخضر واليابس، وإنما نار الحب التي تنقي وتطهر الانسان، مثل النار التي تطهر الذهب ليخرج من الفرن نقياً صافياً حُراً، النار التي تجعل الأواني الذهبية التي في بيت الرب في حالٍ أفضل، تحرق العشب والقش الذي يضرّ الزرع الطيّب (1 كو 3: 12) وتحرق كل الاهراءات التي تكدست فيها الاهتمامات الزمنيَّة الرغبات الهشّة والفانية.
هذه النار الإلهيَّة هي نار الحب التي أشعلت قلوب الأنبياء والقديسين كما قال إرميا: “كان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الإمساك ولم أستطع” (إر 20: 9). هي النار التي اشتعلت على جميع تلال العالم لتشهد لمن هو الطريق والحق والحياة فأضاءت ظلمة البشرية وحوَّلت الصخر الى غدران والصوّان الى عيون مياه…
أما عن الانقسام داخل البيت والعائلة الواحدة، فالرب لا يأمر بتفكيك العلاقات الانسانية الجميلة بين أبنائه الذين أحبّهم للغاية وبذل نفسه من أجلهم بل يهمه تحديد الاولويات والغايات والاهداف… فهو الاول والأخير، الألف والياء، البداية والنهاية…
وهو لا يحرّض على إشعال الحروب… كيف يكون هذا وهو نفسه سلامنا الذي صَلَّى ليلة إقباله على الموت لنكون واحداً كما هو والاب واحد… والذي جعل الاثنين واحدًا؟ (أف 2: 14)، والقائل: “سلامًا أترك لكم، سلامي أعطيكم” (يو 14: 27)؟
لأننا في المرتبة الاولى بالنسبة له يريد الرب أن يكون في المرتبة الأولى بالنسبة لنا ومن ثم تأتي محبَّة الوالدين والآخرين…
فاذا كان للوالدين حقوق علينا وهو كذلك، ينبغي أن نشكر من وهبنا الوالدين… أضف إلى هذا قوله في إنجيل آخر: “من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني”(مت 10: 37).
الله لا يمنعك عن محبَّة والديك، إنما عن تفضيلهما عليه، فالعلاقة الطبيعيَّة هي من بركات الرب، فلا يليق أن يحب الإنسان العطيَّة أكثر من واهب العطيَّة وحافظها”(القديس أمبروسيوس).
اليتيا