في القيامة ، يفقد الإنسان جسده الترابيّ الذي كان يعوق وحدته مع ذاته ومع الآخرين ومع الكون ، وأخيرًا مع الله ، ليكتسب في القيامة جسدًا نورانيّا قادرا دائما على تنفيذ رغبات الروح ، ولا تنبع منه شهوات أو رغبات معاندة ، جسدًا يعيشُ في حالة تجدّد دائم ، لا يمرض ولا يشيخ كما هو الحال في الجسد العتيق الترابيّ ، جسدًا قادرًا على الوحدة بالروح المطلق ، فتتحقّق للروح رغباتها في الكمال ، وتُكلّل مجهوداتها في هذا المجال ، وهكذا تتمّ للإنسان وحدته مع ذاته ، فيولَد لذاته ثانية وإلى المنتهى .
معلومٌ أنّ الإنسان : جسد – نفس – روح ؛ والعلمُ يخبرنا بأنّ كلّ سبع سنوات لا تبقى خليّة واحدة من جسدك قائمة كما كانت ، أي إنّ جسمك يكون قد تغيّر كليّة طوال هذه المدّة ، فبأيّ جسد أقوم ؟ هل بجسدي في لحظة الموت ، أم بجسدنا في ذروة شبابنا ؟
جسمي هو هيكلٌ مستعار لأحقّق من خلاله ذاتي الحقيقيّة ، وهي النواة والعنصر الخالد الذي لا يفنى ، ” الأنا ” التي تكوّنت من خلال جسدي وعلاقاتي يوما بعد يوم . وبعد القيامة تخلع الجسد الأرضيّ هذا لنلبسَ جسدًا بحجمنا النهائيّ . جسدُ القيامة هو جسد شفّاف ، رقيق ، خفيف الكثافة يسيرُ فوق الماء (كما سارَ المسيح الممجّد) .. كثافته في عمق الإتحاد مع الله !
الإنسان في صورة بذرة يُدفّن في الأرض حتّى يحيا وينبُت ثانية ، وشتّان ما بين البذرة والشجرة التي تخرج منها ، هكذا نحن الآن على شكل ” بذرة ” ستدفن في الأرض ليخرج منها إنسان القيامة .
نعجزُ عن تصوّر جسد القيامة ” ما لم تره عينٌ وما لم تسمع به أذنٌ ولا خطر على قلب بشر ، ما أعدّه الله للذين يحبّونه ” (1 كور 2 : 9 ). ” للذين يحبّونه ” ، فالحبّ هو سرّ خلودنا وقيامتنا ، والعلاقة والإتحاد مع الله .
طبيعة جسد القيامة : 1 – كان يخترق الجدران والحواجز ( يوحنا 20 : 26 ) . غير مقيّد بحدود الزمان والمكان ، غير مقيّد بالحاجات الماديّة والبيولوجيّة والغريزيّة ، ولا بقوانين الطبيعة كالجاذبيّة الأرضيّة . يقول هنا الأب هنري بولاد اليسوعيّ ، في كتابه ” الولادة في الموت ” : ” … هذا يعني أنّ الجسد هذا مصنوعٌ من مادّة غير التي نألفها ، إذ إنّ قوانين الطبيعة كما نعلمها ليست قوانين نهائيّة ، وبالتأكيد هناك صور أخرى للمادّة ، منها ما أعلنه العلماء عمّا أسموه ” المادّة المضادّة ” .
عندما نتكلّم عن جسد القيامة ، فنحن لا نتكلّم ولا نفكّر في نوع من الأساطير والخرافات البطوليّة .
2 – جسد القيامة سيكون خاضعــــًا تمامًا لرغباتي ، بإمكاني أن أشكّله كالعجينة في يد النحّات ، خاضع تمامــًا لرغبة الروح ، ويحقّق جميع أحلامي ، فها هو المسيح يترك المجدليّة ، لينتقل في التوّ واللحظة إلى الجليل (متى 28 : 10 ) ، وقد عاش بعض القدّيسين ما نطلق عليه أسمَ ” السياحة الروحيّة ” ، بأن ينتقل من مكان ٍ إلى مكان في التوّ ، عاشوا القيامة وهم على الأرض واختبروا جسد القيامة مبكّرا .
جسدُ القيامة سيعطي الإنسانَ الداخليّ الكامن فينا صورة حقيقيّة . يبقول الأب أ . بوسيه : هناك أشجار بلّوط وثمارها البلوطات . مَن لم ير إلا الثمار لا يستطيع أن يتصوّر شجرة البلّوط . لا نستطيع أن نتصوّر أجسادنا القائمة من الموت . لكنّ من رأى شجرة البلّوط لا يجوزُ له أن يسأل بأي شكل خاص تبقى الثمرة فيها . لا تبقى فيها بشكل يختلف عن شكل الشجرة ” .
زينيت