ما أكتبُه اليومَ، متألّمًا وثائرًا، سيشتري لي، من دون أدنى شكّ، أرتالًا من الأعداء والشتّامين، طغماتٍ من المدافعينَ عن العصرنة اللاعنصرة ولاجوونات من الواعظينَ الجدد في الرحمة وعدم الدينونة.
سمّوا كلامي دينونةً، سمّوه رجعيّةً، سمّوه انغِلاقًا وتَقوْقعًا،
سمّوهُ ما شئتم،
فتسميتُكم لن تغيّر شيئًا من حقيقة ما أقول ولا من جدّيّته.
لأجل خير كنيستي وخير نفوس أطفالها أرتضي بكلّ النعوت،
فخيرٌ لي أن أدخلَ الفردوسَ بلقبِ تقليديّ رجعيّ متزمّت منغلقٍ متقوقع،
من أن أُنفى، ومعي أطفال كنيستي، إلى جهنّم حاملين شهادَاتٍ في العصرنة اللاعنصرة والانفتاح و”الهضمنة”.
إنّ ما يحصل في الكنائس الكاثوليكيّة عامّة والمارونيّة خاصّة، كلّ يوم أحد، ولا سيّما في المناسبات الكبرى كالميلاد والشعانين وخميس الأسرار والفصح، وفي الرتب كالإكليل والمعموديّة ومهرجانات القربانة الأولى، لَهُوَ أخطرُ على نفوسِ المؤمنينَ من اضطهاد ديوكليتيانوس ومذابح العثمانيّين، ووحشيّة الدواعش…
ما فعلَهُ هؤلاء المتوحّشون، بالأمسِ، كانَ قادرًا على قتل الأجساد، لكنّه أعطى المؤمنينَ الفرصَةَ العُظمى للشهادةِ للمسيحِ، فكانَ في قتلِ الأجسادِ عبورٌ إلى حياةِ النفوس.
أمّا ما يفعلُه، اليوم، مُستعبَدو “العصرنة اللاعنصرة” فهوَ يُبالِغُ في عبادة المادّة وتمجيدِ الاحتفالِ وتعظيم الصغائر وتكريمِ الزوائل، ليئدَ النفسَ طفلةً ويحرِمها من لقاء المسيح، ويمنعها من أن تعيشَ ما عاشته بربارة وأكويلينا وكريستينا ودومينيك سافيو وماريا غورتّي وتريزيا الصغيرة…
لقد قال يسوع للرسل “دعوا الأطفال يأتون إليّ، لا تمنعوهم”
هو لم يقلْ أحضروهم إلى مبنى الكنيسة ومجّدوهم وبجّلوهم وكلّلوهم واجعلوهم رقّاصينَ يقدّمونَ العروضَ للحضور الكريم ويديرونَ لي أقفاءَهم…
لماذا نمنعُ أطفالَنا من المجيء إلى المسيح؟
هوَ يريدُ أن يكونوا معَهُ لا أن يكونوا فرقةً فنّيّة تقدّم عروضًا رديئة هابطةَ المستوى!
هوَ يريدُ أن يكونوا قربَهُ ليسمعوا من فمه القدّوس كلمات الحياة الأبديّة، لا ليسمعوا ابتكارات معلّمي التعليم اللادينيّ، الّذين يفعلونَ المستحيل ليحرموا الأطفالَ من صلاة المسبحة والركوع والإصغاء وليغرقوه في النشاطيّة قاتلة الصلاة!
هو يريدُ أن يكون أمامهُ ليروه حاملًا صليبه، باذلًا نفسَهُ عن خطايا العالم، ليتعلّموا منه، منذ سني الطفولة حملَ صلبانهم ليشاركوه عمل الفداء. ولا يريد أن نحجب عنهم صورتهُ مصلوبًا بحواجز الرقص والغناء والاستعراضات الجوفاء…
هو يريدهم إلى جانبه لكي يرفعَ أفكارَهم وعقولَهم وقلوبَهم مرتفعَةً إلى العُلى، لا ليتفرّجوا على الفقّاعات وبالونات الهيدروجين والألعاب الناريّة ترتفعُ بغير جدوى في ساحات الكنائس…
هو يريدُهم عند قدميهِ مثلَ مريمَ أختِ لعازر، يصغونَ لتعليمِهِ ساهينَ عن كلّ نشاطٍ آخر، ولو كانَ حسنًا، فرقصة الشعب عند أسفل جبل سيناء جلبت له اللعنة والموت، ورقصة سالوما أمام هيرودس قتلت يوحنّا وأهلكت نفسها، أمّا دموع الزانية واللصّ اليمين والمرأة الخاطئة فقد حملتهم إلى الفردوس.
يريد يسوع الأطفالَ إلى مائدَتِهِ ليغذوَهم بخبزِ جسدِهِ ويُرويَهم بخمر دمِهِ قوتًا يبقى للحياةِ الأبديّة، ولَمْ يَدعُهم لارتياد المطاعم وتبذير الوقتِ الثمينِ على كلِّ طعامٍ فانٍ، فيكادُ الأطفالُ لا ينالونَ القربانَةَ الأولى حتّى نخنُقَها بشوكِ الولائمِ والموائدِ الـمُسرِفة. فيفترَ سريعًا حضورُ المسيحِ في نفوسِ الأطفال ونفوسِ ذويهم، ويذبلَ سريعًا أمامَ جبالِ الملذّاتِ وضجيجِ الموسيقى الصاخبة الّتي لن تتأخّر عن تهجير المسيح من النفوس…
لقد قال المسيح إفعلوا هذا لذكري!
فما هوَ هذا الـ “هذا”؟
هذا الـ “هذا” هوَ تأوينٌ لما فعلَهُ المسيحُ بينَ رسُلِهِ من يوم معموديّته حتّى صعوده إلى السماء، لاسيّما ما فعلَهُ بين خميس الأسرار وأحد القيامة:
يقول كتاب القدّاس الماروني عند التقادم: لذكر ربّنا وإلهنا يسوع المسيح وكلّ تدبيره الخلاص يّ من أجلِنا!
ويقول أيضًا بعد كلام التأسيس ( كلام التقديس – الكلام الجوهريّ) في نافور مار مرقسس البشير:
فيما نذكر، يا ربّنا يسوع المسيح، كلّ تدبيرك الخلاصيّ من أجلنا: الحبلَ بك وميلادك وعمادك وآلامك الخلاصيّة وموتك الـمُحيي ودفنك الثلاثيّ الأيّام وقيامتك المجيدة وصعودك إلى السماء وجلوسك عن يمين الله الآب…
من الواضح إذًا أنّنا نستحضرُ في القدّاس الإلهيّ كلّ التدبير الخلاصيّ الّذي أتمّه المسيح بيننا:
عند تحضير القرابين، نستحضر البشارة وحمل مريم.
عند تقديم القرابين نستحضر انتقالها إلى بيت لحم لتلدَ ابن الله للعالم.
عند كلام التأسيس ( كلام التقديس – الكلام الجوهريّ) نحتفل بميلاد المسيح فيسجد له الكهنة (لا أفهم لماذا يحرم الشعب من السجود له) كونَه يحضر حضورًا حقيقيًّا على المذبح تحت شكلي الخبز والخمر.
عند رتبة الكسر والنضح والمزج والرفعة نستحضر فصح الحياة: صلب المسيح موته وقيامته وصعوده إلى السماء.
عندَ “الأبانا” نستحضر بشارة المسيح وتعاليمه.
عند المناولة نستحضر عشاءه الأخير مع رسله الأحبّاء خاصّته، حيثُ كانَ الأسى والحزن والرهبة مشاعرَ تعتصرُ قلب الفادي وقلوبَ الرسل، حيثُ بلغَ الحبُّ أوْجَهُ، ما جعَلَ يسوعَ يقدّمُ جَسَدَهُ ودَمَهُ طعامًا لأحبّائهِ…
وعند رتبة الشكر بعد المناولة نستحضر المسيح مصليًّا في البرّيّة وفي بستانِ الزيتون، صلاةً أنْهَكَت جَسَدَهُ مزَجَت بالدمِ دموعهَ، صلاةً عبّرت عن تمامَ تسليمِهِ لمشيئة الآب الصالحة.
عند البركة الأخيرة نستحضرُ يوم العنصرة الّذي ملأ الرسلَ من روحِ الله لينشروا الإنجيلَ في كلّ نفسٍ لا بقوّة الحكمة البشريّة ولا بأسلوب الخطابة ولا بتقنيّات هذا العالم بل بكلمة الصليب.
إذا كانَ المسيحُ ورسلُهُ هم نماذجتنا في عيش الإيمانِ والليتورجيا، فهاتِ أخبروني،إلامَ استندتم لتبرير التصفيق والرقص والمسرحيّات في القدّاس، ولا سيّما في قدّاس القربانة الأولى؟
أينَ رأيتم المسيح ورسله رقّاصين؟ أين رأيناهُم مُصَفّقين؟ أينَ رأيناهم ممثّلين؟ أفي البرّيّة أم في الهيكل أم في العشاء السرّيّ أم أمامَ الصليب أم يوم القيامة أم عندما آمنَ تومًا أم يوم خميس الصعود أم يوم العنصرة، أم في حملات التبشير أم في السجن أم ساعة الِاستشهاد؟
بربّكم أخبروني أين؟
هل نحنُ سعداء بالقربانة الأولى أكثر من الرسل الّذين نالوها من يد المسيح نفسه؟ هل رقصوا فرحًا؟؟؟
هل نحنُ فرحونَ بقيامة المسيح أكثر من الرسل الّذين رأوهُ بأمِّ العين معذّبًا ومصلوبًا وميتًا ومقبورًا، ثمّ عادوا فرأوهُ قائمًا يفيض حياةً وحبًّا؟ ومع ذلك لم يرقصوا!
لماذا نصرّ على تسطيح الفرح الداخلي وإفراغهِ بتحويله إلى رقصاتٍ أقلّ ما يُقالُ فيها أنّها رديئة جدًّا ولا تليق بالمسارح، فكيفَ تليق ببيت الله؟ لماذا نستبدل “هذا” المسيح بِـ”ذاكَ”نا؟ فنفعلُ “ذاكَنا” الّذي لم يطلبهُ المسيحُ ونهملُ “هذاهُ”
أمّا أنا فإنّي اعرف استنادًا إلى الإنجيل أنّهم صاموا وصلّوا وسجدوا وعبدوا تابوا وذرفوا الدموع وعانوا الاضطهاد وذاقوا طعم الاستشهاد… وفي هذا كانَ فرحهم عظيمًا بحسب كلام معلّمهم: “إفرحوا وابتهجوا! هكذا اضطهدوا الأنبياء من قبلكم”. ولم يرقصوا رغم جزيل فرحهم. لماذا نصرُّ على ربط الإيمانِ بالرقص؟
إذا لم يكن مصدر الرقص لا عند المسيح، ولا عند رسله، ولا عند آباء الكنيسة، ولا في التقليد… تخيّلوا ما قد يكونُ مصدره!!!
ماذا تبقّى في قدّاساتنا من كلّ ما ذكرناه من أعمال المسيح؟
هل نحنُ نحتفلُ حقًّا بسرّ المسيح وبتدبيره الخلاصيّ، أم إنّنا جعلنا من أنفسِنا محوَرَ الإحتفالِ وأبطالَهُ؟
هل نحتفلُ بمسيحٍ يبذل نفسَهُ طعامًا لأحبّائه، في قدّاسات المناولةِ الأولى، أم إنّنا نحوّل الأطفالَ، في قدّاسات المناولةِ الأولى، إلى آلهَةٍ نتفنّن في عبادَتهم، نجعَلُ صورتَهم والظاهرة ونشاطاتهم المفبركة واستعراضاتهم الخاوية محطّ أنظارِ أهلِهم –عبّادِ صورتِهم- ونسخّر كلّ طاقاتنا لإنجاح مهرجانٍ خارجيٍّ فاشلٍ فنّيًّا (لكون الـمعدّينَ من فئة الهواة على كل المستويات) وبعيدٍ عن قلبِ المسيح بالنظر إلى كلّ الحواجز الّتي نضعها أمام اللقاء الحميم بينه وبين الأطفال؟
ألم نفهم بعد، أنّ تمادينا في إغراق قدّاس القربانة الأولى بالشكليّاتوالاستعراضات والزينة والكلمات والنشاطات والتصفيق والرقصات، إنّما هو التعبير الأقوى عن عميق فراغنا الروحيّ، وعن جهلنا الـمدقعِ لغنى ذبيحة القدّاس –عمل الله وسط شعبه- الـمُجرّدة عن ابتكاراتنا العديمة الجدوى والعقيمة، بل القاتلة لكلّ حسّ إيمانيّ حقيقيّ؟
دعونا نفترضُ أنّ شربلَ، الراهب الكاهن المارونيّ، لسبب ما، قرّر العودة إلى وطن إنسانيّته، ليرى مدى تمسّك شعبه بإيمانه، ومدى تعلّقه بصلواته الحقيقيّة…
دعونا نتخيّل أنّه دخل صدفةً إحدى كنائسنا الرعويّة أثناء الاحتفال بمهرجان ما نسميّه خطأً قدّاس القربانة الأولى…
ماذا تراهُ يفعل؟؟؟
صعب هوَ الجواب. لا لأنّه بعيد عن الفهم، بل لأنّ ذكرَهُ يكادُ يكونُ لنا دينونة رهيبة:
من يتناول جسد الربّ بغير استحقاق، -من لا يميّز جسدَ الربّ من الاحتفال العقيم-، فهو يتناول دينونة لنفسه.
إذا رأى شربل ما نحنُ نفعَلُهُ في قدّاسات القربانة الأولى الزائفة، لا شكّ في أنّه سيترك الكنيسة باكيًا وسيمضي باحثًا عن مغارة يركع فيها على الحصى الـمُسنّن يتلو مزامير التوبة وسبحة العذراء ويصومَ عن كلّ طعام وشرابٍ تكفيرًا عن الإهانات الّتي تصير في بيوت الله.
والطوباويّ يعقوب الكبّوشي، ما تراهُ يكونُ رأيُهُ في قدّاسات القربانة الأولى المملوءة فراغًا؟
يعقوب الحدّاد الكبّوشي، عاشق الصليب وعابد القربان الأقدس، هو الراهب الفقير الكاهن الأوّل الّذي احتفل بقدّاس القربانة الأولى، في لبنان، بحسب تقليد الكنيسة اللاتينيّة. وكم اجتهد في تعليمِ الأولاد، منذ نعومة أظفارهم، على خدمة القدّاس والسجود للقربان واحترام الكنيسة والتعبّد لمريم وتكريم الصليب: كان أبونا يعقوب موهوبًا في تنظيم رحلات الحجّ والزيّاحات والمناولات الأولى، مردّدًا: “إزرعوا قربانًا، تحصدوا قدّيسين”.
هل تراهُ يكونُ مسرورًا مُطمئِنًّا عندما يرى “القربانَ” مُهانًا في قدّاس القربانة الأولى؟
هل سيفرح لرؤية المنظّمينَ والأهلَ يتخاصَمونَ من أجلِ تفاصيلِ الاحتفال الخارجيّة من أثواب وأكاليل وكاميرا وفيديو ورقصات وزفّة وضيافة ومطاعم، وكلّ ذلك على حساب كرامة القربان؟
باتَ شبهَ مستحيل أن تَرى طفلًا من أطفالِ القربانة الأولى يعرفُ معنى الركوع والمسبحة أو يحسن التصرّف في الكنيسة وعلى الخورس…
عندما ندعو الأطفال إلى مدرسة الصلاة، عوض أن يتعلّموا السجود وتلاوة المسبحة وباقي الصلوات التقليديّة الضروريّة، بما فيها قانون الإيمان وفعل الندامة، نراهم، وبسبب جهالة “المعلّمين العصريّين” يخضعون لدرواتٍ في الصياح والرقص والإيماء والرسم والتلوين…
والأسوأ الأسوأ عندما، بحجّة تحضير أولادنا للقربانة الأولى، نحرمهم من قدّاس يوم الأحد لمدّة شهور طويلة. فيجمعون في قاعات ليتلقّنوا حبّ المسيح بعيدًا عنه، حبًّا نظريًّا كما يقول المثل: بعيد عن العين، بعيد عن القلب!
في عرف الطبابة، لا يصبحُ طالب الطبّ طبيبًا إلّا بعد فترة تدريبيّة عملانيّة طويلة يتمرّس فيها تحت إشراف طبيب محترف، قبل أن يُسمح له بممارسة الطبّ مستقلًّا!
في كنيستنا، أفضل طريقة لتهيئة الطفل على قدّاس القربانة الأولى، هو حرمانه من هذا اللقاء مع المسيح في قدّاس الجماعة… فعوض أن يلتقي الأحد بالمسيح ويتعرّف عليه من خلال الذبيحة الإلهيّة، يحرم طالب القربانة الأولى من هذه المعرفة لينال معلومات عن المسيح يستطيعُ أن يتلقّاها ساعة يشاء!
أصعب ما قد أواجهه في حياتي حاليًّا، كمؤمن، كراهبٍ وككاهن، هوَ أن أدعى إلى المشاركة في رتبة إكليل مارونيّ أو في احتفال رعويّ بالقربانة الأولى.
لا أستطيعُ أن أكونَ شاهدًا على كلّ القباحاتِ والتجاوزات الّتي تصيرُ باسمِ “الفرح الزائف”، حيثُ الفرح الحقيقيّ يجب ألّا يكونَ إلّا على المستوى الروحيّ.
عندما يكونُ الحدثُ خاصًّا بهذا العالم، لا بدَّ من أن يكونَ الفرحُ عالميًّا،
عندما يكونُ الفرح عالميًّا، لا يُريدُ أحدٌ أن يُقحِمَ فيهِ جوًّا دينيًّا…
لا أحدَ يرضى يوم 14 شباط في سهرة شبابيّة “حبّيّة” أن تُقام صلاة المسبحة أو أن يُتلى المزمور الخمسون (51).
فلماذا نقبلُ، في حدثٍ روحيّ إلهيّ كالمناولةِ الأولى أن نخنقَ فرحَ الروحِ بأفراحٍ عالميّة؟ كم ساعةً نعطي للحدثِ الروحيّ؟ ساعةً واحدة. وإذا تمادينا فساعة ونصف الساعة…
أمّا للمظاهر فنبدأ الاستعداداتِ أسابيعَ قبل الاحتفال: شراء الهدايا، حجز المطاعم، تحضير التذكار (الفاحش الثمن غالبًا)، ثوب الوالدة (الجريء طبعًا) وبذّة الوالد وثياب الإخوة، المصّور وعدّته…
أمّا يوم الاحتفال نفسه، فلا غنى عن المزيّن (الحلاّق) لتصفيف الشعر (بما يتنافى مع تواضع الإيمان) وزيارة المطعم لوضع اللمسات الأخيرة، والتأكّد من جهوزيّة فرقة الزفّة واستعدادها لتقديم وصلة حول “المذبح-الجلجلة” قبل التوجّه إلى المطعم. وكدتُ أنسى حَـمَلة العرش! ففي يوم القربانة الأولى، حيث الحريُّ بنا أن نعلّم الطفل تواضع القلب واكتشافَ صغره أمام عظمةِ محبّة الله، ننقاد، بكثير من الغباء، إلى ممارسات تنمّ عن الكبرياء، فنعامِلُ الطفلَ كسلطانٍ آمرٍ ناهٍ، ونضعه على عرشٍ يحملُهُ أشخاص يعملون بالأجرة!
كيفَ يُتاحُ لهذا الطفلِ أن يتعرّف إلى المسيح في كلّ هذه الضوضاء العارمة؟
في أحد قدّاسات القربانة الأولى في لبنان، وكنتُ موجودًا لأسباب خارجة عن الإرادة، قالَ لي أحد الأطفال: “أبونا كتير انبسطت بالحفلة، ليش مش كلّ أحد هيك منعمل”؟؟؟
تمنّيت في اللحظة ذاتها أن تنشقّ الأرض وتبتلعني! لكنّي لم أبلعْها ولن أبلَعَها أبَدًا!
جريمتنا، كأساقفة وكهنة ومعلّمي التعليم الدينيّ، عظيمةٌ جدًّا…
والأخطر من هذه الجريمة هي جريمة تجاهلنا لهذه الجريمة
والأخطرُ الأخطر هو تواطؤنا واقتناعُنا بأنّ ما نفعلُهُ هوَ عينُ الصواب!
في الواقع، إنّ ما نفعلُهُ هو خديعة ومكيدة بحقّ الأجيال الفتيّة وخيانة للمسيح وكنيسته!
عندما يسألنا الله يومًا عمّا زرعناهُ في نفوسِ أطفالنا، ما تراهٌ يكونُ الجواب؟
شافيل 28- 05- 2016
الأب يوحنا جحا
أليتيا